انظر كيف استهل الحديث بإرساء الأساس، وذلك بتقرير حق العشرة والمخالطة الزوجية "٢٢٣" ثم انظر كيف تلاه النهي عن إدخال اليمين في أمثال هذه الحقوق المقدسة، سواء بالحلف على منع البر عن مستحقه، أو على قطع ما أمر الله به أن يوصل "٢٢٤ - ٢٢٥" وكيف عقبه بحكم فرع من فروع هذه المبدأ متصل بالعلاقة الزوجية، وهو حكم من حلف على الامتناع عن زوجته "٢٢٦ - ٢٢٧" وكيف اتصل من هنا بأحكام الطلاق وما يتبع الطلاق من حقوق وواجبات "٢٢٨".
فإذا أعجبك هذا التسلسل المعنوي، وهذا التدرج المنطقي، في شئون كانت متفرقة، ارتجلتها الحوادث ارتجالًا، فتعالَ معي لأضع يدك في هذه القطعة على حرف واحد تلمس فيه مبلغ الإحكام في التأليف بين هذه المتفرقات، حتى صارت شأنًا واحدًا ذا نسق واحد:
ذلك هو موضع النقلة من فتيا الإيلاء إلى فتيا الطلاق: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ ألا ترى كيف أدير الأسلوب في حكم الإيلاء على وجه معين، يطل القارئ منه على أفق متلبد ينذر باحتمال الفراق؛ فلما جاء بعده الحديث عن أحكام الفراق لم يكن غريبًا، بل وجد مكانه مهيأً له من قبل؛ كأن خاتمة حكم الإيلاء كانت بمثابة عروة مفتوحة، تستشرف إلى عروة أخرى تشتبك معها؛ فلما جاءت فتيا الطلاق في إبانها كانت هي تلك العروة المنتظرة. وما هو إلا أن التقت العروتان حتى اعتنقتا وكانت منهما حلقة مفرغة لا يدرى أين طرفاها، وهكذا أصبح الحديثان حديثًا واحدًا.
ترى من علم محمدًا -لو كان القرآن من عنده- أنه سوف يستفتى يومًا ما في تلك التفاصيل الدقيقة لأحكام الطلاق؟ ومن علمه أنه سيجد لهذا السؤال جوابًا، وأن هذا