للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل نقول، ونحن نعني ما نقول: إن الحديث يعود الآن إلى شأن الجهاد، وإن الخطاب هنا بالصلاة وغيرها يتوجه إلى المجاهدين من حيث هم مجاهدون، ليحل المشاكل التي يثيرها موقف الجهاد نفسه، قبل أن يوجه إليهم الأمر الصريح بالقتال ..

فأول هذه المشاكل مشكلة الصلاة في الحرب: ألا يكون الجهاد رخصة في إسقاط هذا الواجب أو في تأجيله؟

يجيبنا الكتاب العزيز: لا رخصة في ترك الصلاة ولا في تأجيلها، لا في سلم ولا في حرب، ولا في أمن ولا في خوف: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ " (٢٣٨) " وإنما الرخصة عند الخوف في شيء واحد: في صفات الصلاة وهيأتها: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾.

والصلاة كما نعلم قوة معنوية على العدو، وعدة من عدد النصر (١). لا جرم كان من الحكمة أن تزود بها أرواح المجاهدين، قبل أن يؤمروا بالقتال أمرًا صريحًا. والصلاة في الوقت نفسه طهرة للنفس من مساوئ الأخلاق، تنقيها من دنس الشح والحرص على حطام الدنيا (٢). لا جرم كان من الحكمة كذلك جعلها دعامة للوصية الآنفة، التي أمرتنا بالتسامح والتكارم في المعاملات .. هكذا كان وضع حديث الصلاة مزدوج الفائدة: دواءً وغذاءً معًا، ينظر إلى الأمام وإلى الوراء جميعًا. بل قل: إنه مثلث الفائدة؛ لأنه في نظره إلى الخلف لا ينظر إلى الآية الآنفة وحدها، بل ينظر كذلك إلى الآية الجامعة، ليفصل إجمالها في هذا الجانب (٣)


(١) هكذا قال الله: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾.
(٢) وهكذا قال الله في وصف الإنسان: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾.
(٣) إذا فهمت حسن هذا التلطف، في الانتقال من المعنى القديم إلى المعنى الجديد، وأدركت جمال هذه الأوضاع الهندسية، التي تناسقت بها المعاني السابقة واللاحقة، فقد زالت عنك شبهة الاقتضاب هنا في الانتقال إلى حديث الصلاة .. غير أننا إذا قسنا هذه النقلة إلى النقلة السابقة بين الحلقتين؛ الأولى والثانية، ألسنا نرى هذه التمهيد=

<<  <   >  >>