للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما ينبغي أن نلفت ذهن القارئ إليه مهارة الشيخ دراز وثقوب عقله، وحدة ذكائه في إبراز أخفى وأدق أسرار البيان القرآني المعجز في آية من كتاب الله كنموذج يجب أن يحتذى في دراسة النظم القرآني.

تلك هي الآية التي نزلت في شأن اليهود: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١].

هذه الآية قال الشيخ: إنه اختارها؛ لأنها ليست من الآيات التي يهتم بها البيانيون في استخراج الوجوه والصور البلاغية منها، مما فيه تشبيه رائق، أو مجاز آسر، أو كناية لطيفة، أو تمثيل أخاذ، وإنما هي آية من "عُرْض القرآن"، ومع ذلك استخرج ما فيها من دقائق النظم، وأسرار البيان، وحكمة المعنى ما لا يملك القارئ معه إلا أن يقول بعد الإطلاع عليه:

"الله أكبر، الله أكبر"

وهذا منهج مستمر في دراسة القرآن، تَرَسَّم فيه الشيخ دراز خطى الإمام عبد القاهر الجرجاني ومنهجه التحليلي الممتع المقنع في كتابيه: "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز".

وبعد .. فإن هذا الكتاب فتح جديد فتحه الله على يد الشيخ محمد عبد الله دراز، الذي كافأه الله على جهاده في سبيله لهدايته إلى الحق والدفاع عنه، كما قال في كتابه العزيز: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا … ﴾ [العنكبوت: ٦٩].

وفي الختام نتقدم بجزيل الشكر وخالص الدعاء للقائمين على "دار القلم" على اهتمام بتراث الشيخ دراز، وهو أحد معالم نهضة إسلامية نأمل أن تؤتي ثمارها، مع دعائنا بالتوفيق والسداد لفضيلة الشيخ الشاب/ أحمد فضلية، على رعايته المشكورة

<<  <   >  >>