للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا بد إذًا من كفيل بهذا الحفظ من خارج نفسه. ومن ذا الذي يملك هذا الضمان على الدهر المنقلب المملوء بالمفاجآت؟ إلا رب الدهر الذي بيده زمام الحوادث كلها، والذي قدر مبدأها ومنتهاها، وأحاط علمًا بمجراها ومرساها. فلولا فضل الله ورحمته الموعود بهما في الآية الآنفة لما استطاع القرآن أن يقاوم تلك الحروب العنيفة التي أقيمت ولا تزال تقام عليه بين آن وآن.

سل التاريخ: كم مرة تنكر الدهر لدول الإسلام، وتسلط الفجار على المسلمين فأثخنوا فيهم القتل، وأكرهوا أممًا منهم على الكفر، وأحرقوا الكتب، وهدموا المساجد، وصنعوا ما كان يكفي القليل منه لضياع هذا القرآن؛ كُلًّا أو بعضًا؛ كما فعل بالكتب قبله؛ لولا أن يد العناية تحرسه فبقي في وسط هذه المعامع رافعًا راياته، وأعلامه. حافظًا آياته وأحكامه، بل اسأل صحف الأخبار اليومية: كم من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة تنفق في كل عام لمحو هذا القرآن وصد الناس عن الإسلام بالتضليل والبهتان والخداع والإغراء، ثم لا يظفر أهلها من وراء ذلك إلا بما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ (١).

ذلك بأن الذي يمسكه أن يزول هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا.

ذلك بأن الله ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (٢)، (٣) والله بالغ أمره، ومتم نوره، فظهر وسيبقى ظاهرًا لا يضره من خالفه حتى يأتي أمر الله.


(١) سورة الأنفال: الآية ٣٦.
(٢) سورة الصف: الآية ٩.
(٣) سورة التوبة: الآية ٣٣.

<<  <   >  >>