للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن كنت في شك من ذلك فاقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (١).

وقد صح في سبب نزولها أن لصًّا عدا ذات ليلة على مشربة لرجل من الأنصار يقال له رفاعة، فنقب مشربته، وسرق ما فيها من طعام وسلاح، فلما أصبح الأنصاري افتقد متاعه حتى أيقن أنه في بيت بني أبيرق، وكان فيهم منافقون، فبعث ابن أخيه إلى النبي يشكو إليه، فقال : "سأنظر في ذلك". فلما سمع بذلك بنو أبيرق جاءوا إلى النبي فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمه رفاعة عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت. فجاء قتادة فقال له النبي : "يا قتادة، عمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة! " فرجع قتادة إلى عمه فأخبره، فقال عمه: الله المستعان. ثم لم تلبث أن نزلت الآية تبين للنبي خيانة بني أبيرق، وتأمره بالاستغفار مما قال لقتادة. الحديث رواه الترمذي (٢)، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم.

بل اسمع قوله عن نفسه فيما يرويه أحمد وابن ماجه: "إنما أنا بشر مثلكم، وإن الظن يخطئ ويصيب، ولكن ما قلت لكم " قال الله" فلن أكذب على الله" (٣) وقوله "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها" (٤) رواه مالك والشيخان وأصحاب السنن.

فمن كان هكذا عاجزًا بنفسه عن إدراك حقيقة ما وقع بين خصمين في زمنه وفي


(١) سورة النساء: الآيات من ١٠٥ إلى ١١٣.
(٢) الترمذي عن قتادة بن النعمان، ك/ تفسير القرآن، ب/ ومن سورة النساء "٢٩٦٢".
(٣) ابن ماجه عن طلحة بن عبيد الله عن أبيه، ك/ الأحكام، ب/ تلقيح النخل "٢٤٦١".
(٤) البخاري عن عروة بن الزبير، ك/ الأحكام من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه فإنه قضاء "٦٦٤٥".

<<  <   >  >>