للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه القرآن بدع في الدين لم يُسبق إليه فقالوا: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ (١) يعنون ملة النصرانية. وهذه سلسلة أخرى من جرائمهم يسردها القرآن متواصلة الحلقات: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ إلى أن قال: ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ إلى أن قال: ﴿وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا، وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾ (٢).

فهل ترى في هذا كله صورة أساتذة يتلقى عنهم صاحب القرآن علومه؟ أم بالعكس ترى منه معلمًا يصحح لهم أغلاطهم وينعي عليه سوء حالهم.

لا ننكر أنه كان في أهل الكتاب قليل من العلماء الراسخين، لكنِ الراسخون في العلم منهم آمنوا بالقرآن وبنبي القرآن : ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ (٣) فلو كانوا له معلمين لآمنوا بأنفسهم بدل أن يؤمنوا به.

ولنعد مرة أخرى فنسأل: هل كان علم العلماء يومئذ مبذولًا لطالبيه مباحًا لسائليه؟ أم كان حرصهم على هذا العلم أشد من حرصهم على حياتهم، وكانوا يضنون به حتى على أبنائهم استبقاءً لرياستهم، أو طمعًا في منصب النبوة الذي كانوا يستشرفون له في ذلك العصر.

لنستنطق القرآن الذي رضيه الملحدون حكمًا بيننا وبينهم، فإنه يكفينا مئونة الجواب عن هذا السؤال، وها هو ذا يقول لنا: إنهم كانوا في سبيل الضن بكتبهم


(١) سورة ص: الآية ٧.
(٢) سورة النساء: الآيات من ١٥٥ إلى ١٦١.
(٣) سورة الرعد: الآية ١٣.

<<  <   >  >>