للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم؛ إن قومه قد طوعت لهم أنفسهم أن يقولوا هذه الكلمة: ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ (١) ولكن هل تراهم كانوا في هذه الكلمة جادين، وكانوا يشيرون بها إلى بشر حقيقي عرفوا له تلك المنزلة العلمية؟ كلا؛ إنهم ما كان يعنيهم أن يكونوا جادين محقين، وإنما كان كل همهم أن يدرءوا عن أنفسهم معرة السكوت والإفحام، بأية صورة تتفق لهم من صور الكلام: بالصدق أو بالكذب، بالجد أو باللعب.

وما أدراك من هو ذلك البشر الذي قالوا: إنه يعلمه؟

أتحسب أنهم اجترءوا أن ينسبوا هذا التعليم لواحد منهم؟ كلا؛ فقد رأوا أنفسهم أوضح جهلًا من أن يعلِّموا رجلًا جاءهم بما لم يعرفوا هم ولا آباؤهم.

أم تحسب أنهم لما وجدوا أرض مكة مقفرة من علماء الدين والتاريخ في عهد البعثة المحمدية عمدوا إلى رجل من أولئك العلماء في المدينة أو في الشام أو غيرهما فنسبوا ذلك التعليم إليه؟ كلا؛ إن ألسنتهم لم تطاوعهم على النطق بهذه الكلمة أيضًا.

فمن ذا، إمَّا لا … ؟

لقد وجدوا أنفسهم مضطرين أن يلتمسوا شخصًا يتحقق فيه شرطان:

أحدهما: أن يكون من سكان مكة نفسها لتروج عنهم دعوى أنه يلاقيه ويملي عليه بكرة وأصيلًا.

وثانيهما: أن يكون من غير جلدتهم وملتهم ليمكن أن يقال: إن عنده علم ما لم يعلموا. وقد التمسوا هذ الأوصاف فوجدوها، أتدري أي وجدوها؟ .. في حداد رومي!!

نعم، وجدوا في مكة غلامًا تعرفه الحوانيت والأسواق، ولا تعرفه تلك العلوم في


(١) سورة النحل: الآية ١٠٣.

<<  <   >  >>