الوجه النبوي الشريف. وأيضًا لو كانت صناعة وتكلفًا لكانت طوع يمينه فكان لا يشاء يومًا أن يأتي بقرآن جديد إلا جاء به من هذا الطريق الذي اعتاده في تحضيره.
وقد علمت أنه كثيرًا ما التمسه في أشد أوقات الحاجة إليه، وكان لا يظفر به إلا حين يشاء الله.
فهي إذًا حال غير اختيارية.
ثم إننا نرجع البصر كرة أخرى فنرى البعد شاسعًا بينها وبين عارض السبات الطبيعي الذي يعتري المرء في وقت حاجته إلى النوم؛ فإنها كانت تعروه قائمًا أو قاعدًا، وسائرًا أو راكبًا، وبكرة أو عشيًّا، وفي أثناء حديثه مع أصحابه أو أعدائه، وكان تعروه فجأة وتزول عنه فجأة، وتنقضي في لحظات يسيرة، لا بالتدريج الذي يعرض للوسنان، وكانت تصاحبها تلك الأصوات الغريبة التي لا تسمع منه ولا غيره عند النوم. وبالإجمال كانت حالًا تباين حال النائم في أوضاعها وأوقاتها وأشكالها وجملة مظاهرها.
فهي إذًا عارض غير عادي.
ثم نرى المباينة التامة والمناقضة الكلية بينها وبين تلك الأعراض المرضية والنوبات العصبية التي تصفرُّ فيها الوجوه، وتبرد الأطراف، وتصطك الأسنان، وتتكشف العورات، ويحتجب نور العقل، ويخيَّم ظلام الجهل؛ لأنها كانت كما علمت مبعث نمو في قوة البدن، وإشراق في اللون، وارتفاع في درجة الحرارة، وكانت إلى جانب ذلك مبعث نور لا ظلمة، ومصدر علم لا جهالة، بل كان يجيء معها من العلم والنور ما تخضع العقول لحكمته، وتتضاءل الأنوار عند طلعته.
ها نحن أولاء قد كدنا نصل .. فلتقف بنا وقفة يسيرة لنرى مبعث هذا الضوء الذي كان يبدو حينًا ويختفي أحيانًا من حيث لا يد لصاحبه في ظهوره ولا في اختفائه: هل