...والصحيح هو القول الأول، والدليل عليه الآية الكريمة التي جاءت مطلقة. وأما الرد الحاسم على القائلين بالفورية، فهو ما رواه ابن خُزيمة (٢٠٥١) والترمذي وأحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت {ما قضيتُ شيئاً مما يكون عليَّ من رمضان إلا في شعبان، حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم} وبعيد جداً أن يحصل من عائشة ذلك وهي في بيت النبوة، دون اطِّلاع الرسول صلى الله عليه وسلم وإِقرارِه. وهذا النص يصلح للاستدلال به على أن آخر موعدٍ لقضاء الصوم هو شهر شعبان، أي أن القضاء ينبغي أن يكون قبل حلول رمضان جديد، وإلا كان مفرِّطاً، ولو كان القضاء يصح تأخيره إلى ما بعد حلول رمضان جديد لما كان لقول عائشة هذا فائدةٌ. وإِنَّ القولَ بوجوب القضاء قبل حلول رمضان جديد قد اتفق عليه الفقهاء إلا ما رُوي عن أبي حنيفة رحمه الله.
...وكما يصحُّ التتابع والتفريق في القضاء عن النفس فإنهما يصِحَّان في القضاء عن الميت، فلولي الميت أن يصوم عن الميت بالتتابع أو بالتفريق دون أي فارق بينهما، إذ لم يرد في النصوص ما يفرق بين القضاء عن النفس والقضاء عن الميت في هذه النقطة.
وأما تأخير القضاء عن الميت إلى أكثر من عام فجائز، وهو خلاف القضاء عن النفس، وذلك أن القضاء عن النفس واجب في حق الشخص، بينما قضاء الولي عن ميِّته جائز وليس واجباً عليه، وما دام ذلك جائزاً فإن له أن يبادر إلى فعله، وله أن يقوم به متأخراً ومتى أراد، بل وله أن لا يقوم به مطلقاً، فانتفى في حق الولي وجوب القضاء في خلال عام.