للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

...الحديثان في البندين ٧، ٨ ضعيفان فيتركان ولا يُحتجُّ بهما. لقد جاء النهي عن الوصال بألفاظٍ ثلاثة (نهى عن الوصال) في الأحاديث ١، ٢، ٥، ١٠، ١٢ و (إياكم والوصال) في الحديث ٣ و (لا تواصلوا) في الحديثين ٤، ١١. فهذا النهي بألفاظه الثلاثة ردٌّ على من قالوا بجواز الوصال وإباحته، فلم تبق إلا الكراهة أو التحريم، فلننظر في الأحاديث مرة أخرى باحثين عن الدليل أو القرينة التي تحدِّد أياً من الحُكْمين هو المشروع.

...جاء في الحديث الرابع، رواية ابن خُزيمة (إياكم والوصال، قالها ثلاثاً) أي جاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إياكم والوصال، إياكم والوصال، إياكم والوصال) وما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشدِّد في النهي عن الوصال هذا التشديد إلا لأنه حرام لا يجوز، فالتكرار يصلح قرينة على أن النهي نهيٌ جازم. ثم جاء الحديث الثاني عشر يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عاقب الذين واصلوا وأبَوْا أن ينتهوا عن الوصال أي رفضوا النهي عن الوصال، ووصف العقوبة بأنها تنكيلٌ حين أَبَوْا أن ينتهوا، ولا يكون كل ذلك إلا دالاً على أن النهي هو نهي جازم يفيد التحريم، ولو كان النهي غير جازم لما عاقبهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما نكَّل بهم. فهذا الحديث يدلُّ لفظه على أن النهي الوارد في الأحاديث هو نهي جازم.

...ثم جاءت الرواية الثانية عند مسلم تؤكِّد الجزم والإلزام بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أما والله لو تمادَّ لي الشهرُ لواصلتُ وصالاً يدع المتعمِّقون تعمُّقَهم) فقد وصف الذين يواصلون بأنهم متعمِّقون، وتوعدهم بوصالٍ طويلٍ كعقوبة، حتى يلتزموا بالنهي ويَدَعوا الوصال. فالتوعُّد بالعقوبة قرينةٌ، ووصفُهم بالتعمُّقِ قرينةٌ ثانيةٌ على أن النهي عن الوصال في الأحاديث هو نهي تحريم، وليس نهي كراهة فقط.

<<  <   >  >>