...أما التوعد بالعقوبة فظاهر، وأما وصفهم بالتعمُّق فلأن التعمُّق في الشرع حرام ومحظور، فعن عبد الله – بن مسعود – رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {هلَك المتنطِّعون، قالها ثلاثاً} رواه مسلم (٦٧٨٤) وأبو داود وأحمد. والمتنطِّعون من التنطُّع وهو التعمُّق قاله صاحب مختار الصحاح وصاحب أساس البلاغة وصاحب لسان العرب وغيرهم. فالتنطُّع لغةً هو التعمُّق. فقوله في الحديث: هلك المتنطِّعون، أي هلك المتعمِّقون، ولا يقال ذلك إلا إذا كان التعمُّق حراماً.
...وأخيراً جاء الحديث الخامس يصف الوصال بأنه فعل النصارى، وهو من أبلغ صيغ القول على إرادة التحريم وذلك أن تقليد الكفار في شؤون الدين حرام لا يجوز.
...ثم إن الصوم عبادة والعبادة حتى تصح ويجوز فعلها لا بد من أن تَرِدَ في الشرع فإن لم تَرِدْ في الشرع لم يصح فعلها، لأنها لا تكون عبادة أصلاً. وكذلك الوصال في الصوم، فإنه حتى يكون عبادةً شرعاً ومن ثمَّ يصح فعلُه، لا بد من أن يَرِدَ في الشرع، فإن ورد في الشرع واصلنا، وإلا توقفنا عنه، فإن لم نفعل نكن قد عبدنا الله سبحانه بغير ما شرع، وهو حرام لا يجوز، فأين الدليل على جواز الوصال؟
...فإن قال قائل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يواصل، أجبناه بقوله عليه وآله الصلاةُ والسلام (إني لست كهيئتكم) ، (إنكم لستم في ذلك مثلي)(لست كأحدٍ منكم) ، (لستم مثلي) ، (وأيُّكم مثلي؟) وهذه من أبلغ الصيغ على أن الوصال من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، لا ينبغي لأحد أن يفعله، أو أن يدَّعي أنه مشروع لغيره صلى الله عليه وسلم. فما اختصَّ به الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُشرع للمسلمين وإنما شُرع له فحسب، فكان مقصوراً عليه وحده، وهذا معلوم لكلِّ عالم وفقيه.