...ثم رأينا عطاء يروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه {يقول (وعلى الذين يُطَوَّقونه فِديةٌ طعامُ مسكين) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيُطعمان مكان كل يوم مسكيناً} رواه البخاري (٤٥٠٥) وأبو داود. ورواه النَّسائي (٢٦٣٨) في السنن الكبرى، والدارَقُطني بلفظ { ... قال (يُطِيقونه) يُكلَّفونه فدية طعام مسكين واحد (فمن تطوَّع) فزاد طعام مسكين آخر، ليست منسوخة (فهو خير له وأن تصوموا خير لكم) لا يُرخَّص في هذا إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام أو مريضٍ لا يشفى} قال الدارَقُطني [وهذا الإِسناد صحيح] .
...ومع هذا الاختلاف في كون الآية الكريمة {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} منسوخة أو مُحْكَمة، فقد استدل الطرفان بها على أن الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إن هما عجزا عن الصيام، أطعما مسكيناً واحداً عن كل يوم أفطراه. أما استدلال ابن عباس ومن قال بقوله إن الآية ليست منسوخة فواضح بهذه الآية الكريمة، وأما استدلال القائلين بالنسخ فإنهم استثنوا منه وجوب الفدية على الكبير غير القادر على الصوم، وكمثال على هذا الاستثناء نذكر ما رواه الطبري في تفسيره (٢/١٣٤) عن ابن شهاب – الزُّهري – قال [قال الله (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) قال ابن شهاب: كتب الله الصِّيام علينا، فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر، ولم يكن عليه غير ذلك فلما أوجب الله على من شهد الشهر الصيام، فمن كان صحيحاً يُطيقه، وضع عنه الفدية وكان من كان على سفر أو كان مريضاً فعدةٌ من أيام أُخر قال: وبقيت الفدية التي كانت تقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يطيق الصيام، والذي يعرض له العطش أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام] .