...واختلفوا في الماء يستنشقه الصائم، فيصل إلى الحلق دون قصد: فقالت الحنفية والمالكية والشافعي في أحد قوليه: إنه يفسد الصوم. وقال أحمد وإسحق بن راهُويه والأوزاعي وأصحاب الشافعي: إنه لا يُفسد الصوم كالناسي. وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي: إنه يُفسد الصوم إن لم يكن لفريضة. فأقول ما يلي:
...إن الحديث الذي رواه ابن ماجة من طريق ابن صبرة لا يصح إِدراجه في باب السُّعوط، وذلك لأن السُّعوط هو أن تُدخِلَ مادةً في الأنف وتقوم باستنشاقها لتَدخُل كلُّها أو جزءٌ منها في الرئتين، فهذا هو السُّعوط. وأما إدخال ماء أو دواء في الأنف لعلاج التهاب الجيوب الأنفية مثلاً، دون أن يصل الماء، أو الدواء إلى الرئتين، فليس بسُّعوط. ولذا فإن استنشاق الماء في الوضوء لا يصح إِدراجه في باب السُّعوط. وقد جاء النهي عن المبالغة فيه في حالة الصوم تحرُّزاً من أن يصل الماء إلى الحلق، ومن ثم إلى البلعوم والمعدة، وهو ما نوَّه به الحسن وذكره البخاري. وعليه فإني أقول إنه لم يرد في هذه المسألة أي حديث نبوي.
...أما ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها قالت {دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عائشة هل من كِسرة؟ فأتيته بقُرْصٍ، فوضع على فيه، وقال: يا عائشة هل دخل بطني منه شيء؟ كذلك قُبلة الصائم، إنما الإفطار مما دخل وليس مما خرج} رواه أبو يَعلى (٨/٤٩٥٤) . قال الهيثمي [رواه أبو يعلى، وفيه من لم أعرفه] ففيه راوٍ مجهول، فهو ضعيف. وهو يشير إلى راوية الحديث المدعوَّةِ سلمى من قبيلةِ بكرِ بن وائل، وهي مجهولة لا تُعرف، فيترك هذا الحديث.