...فلم تبق إلا آثار الصحابة رضوان الله عليهم. فوجدنا عبد الرزاق (٧٥١٨) يروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال {إنما الصيام مما دخل وليس مما خرج والوضوء مما خرج وليس مما دخل} ووجدنا ابن أبي شيبة (٢/٤٦٧) والبيهقي يرويان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال {في الحجامة للصائم قال: الفطر مما دخل وليس مما خرج} وذكره البخاري تعليقاً. وهذان الأثران صحيحان. فأقول ما يلي:
...هذان الأثران ورد اللفظ فيهما عاماً، دون بيان إن كان الداخل يدخل إلى الصدر والبطن أو كان يدخل إلى الجمجمة أي إلى الدماغ ويبعد أن يكون الصحابيان الجليلان قد قصدا الجمجمة أي الدماغ، لأن مثل هذا القصد بعيد التوقع، فمن أراده وقصده فإنه يتوجب عليه أن يفصح عنه وإلا انصرف القول إلى المتبادر إلى الأذهان منه وهو ما يدخل في الصدر والبطن، لا ما يدخل في الجمجمة، ولذا فإن قول الفقهاء إنَّ ما يصل إلى الدماغ يفطِّر الصائم استدلالاً بهذين الأثرين غير صحيح. والغريب هو أن الفقهاء كانوا يظنُّون أن السَّعوط يصل إلى الدماغ فقالوا إن ما يصل إلى الدماغ يفطِّر لأجل ذلك.
...والحق – وهو ما توصَّل إليه العلم بشكل يقيني قطعي – هو أن السَّعوط وكلَّ ما يستنشقه الإنسان يدخل في الرئتين مروراً بالبلعوم أي يذهب إلى داخل الصدر وليس إلى الدماغ، فوجب بحث هذه المسألة على هذا الصعيد، ولذا أقول ما يلي: