وقد اختلف الفقهاء في تحديد بدء الاعتكاف على رأيين: فذهب الأوزاعي وإِسحق بن راهُوَيْه والليث وأحمد في روايةٍ عنهما، إلى أن الرجل إذا أراد الاعتكاف صلى الفجر ثم دخل في مُعتَكَفه. وذهب الآخرون، وهم الأئمةُ الثلاثةُ، وأحمد في الرواية الثانية إلى أن الرجل إذا أراد الاعتكاف دخل معتكَفه قبل غروب الشمس. قال الترمذي [والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يقولون: إذا أراد الرجل أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل في معتَكَفه، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحق بن إبراهيم. وقال بعضهم: إذا أراد أن يعتكف فلْتغِبْ له الشمسُ من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها من الغد وقد قعد في معتكَفه، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس] .
...استدل الفريق الأول على رأيهم بحديث عائشة رضي الله عنها قالت {كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خِباءً فيصلي الصبح ثم يدخله ... } رواه البخاري (٢٠٣٣) ورواه مسلم (٢٧٨٥) والنَّسائي في السنن الكبرى وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد بلفظ {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل مُعْتَكَفه ... } .
...أما الفريق الآخر، وهم الأئمة الثلاثة وأحمد في الرواية الثانية عنه، فقد قالوا: يدخل المعتكِف في مُعْتَكَفه قبل غروب الشمس إذا أراد اعتكاف شهرٍ، أو اعتكاف عشرٍ، وأَوَّلوا حديث عائشة بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المعتكَف وانقطع فيه وتخلَّى بنفسه بعد صلاة الصبح وأنه عليه الصلاةُ والسلام كان معتكِفاً لابثاً في المسجد قبل غروب الشمس!! وقال الشافعي في كتاب الأم [من أوجب على نفسه اعتكاف شهر فإنه يدخل في الاعتكاف قبل غروب الشمس ويخرج منه إذا غربت الشمس آخر الشهر] .