...وبالتدقيق في هذين القولين نجد أنه يمكن التوفيق بينهما، فقول الفريق الآخر بوجوب دخول المعتكَف قبل غروب الشمس مقيَّدٌ بما إذا أراد المعتكِف تحديد يومٍ أو عشرةِ أيام أو شهرٍ مثلاً لاعتكافه، وحيث أن المسلمين يعتدُّون لدخول اليوم بحلول الليل أولاً، فإن بداية اليوم عندهم أو بداية الشهر لا شك في أنها تكون بحلول الليل، فكان إيجابهم دخول المعتكِف معتكَفه قبل غروب شمس اليوم الذي سبقه قول صحيح بلا شك. وأنا لا أظن أن الفريق الأول يخالفون هذا القول، وإنما الخلاف الحقيقي في الاستناد إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، هل كان يبدأ اعتكافه في بداية الليل أم عقب صلاة الصبح؟
الصحيح الذي ينبغي الذهاب إليه هو أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبدأ اعتكافه عقب صلاة الصبح وقد جاء ذلك منطوقاً فلا حجة لمن عارضه بتأويلات بعيدةٍ، فالحديث يقول صراحة (فيصلي الصبح ثم يدخله) ويقول (إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكَفه) وهذا منطوقٌ في أَنَّ بدء الاعتكاف يكون عقبَ صلاة الفجر لا يُستطاع تأويله بغير هذا الذي يدل عليه. وكان يمكن للحديث مثلاً أن يأتي بصيغة: إذا صلى الصبح عاد إلى معتكَفه، أو: ثم يصلي بالمسلمين صلاة الصبح فيدخل في معتكَفه مجدَّداً، فيكون دليلاً على ادعائهم، أما وأنه لم يأت هكذا، بل جاء صريحاً بالقول (إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكَفَه) فإِنه ينبغي الوقوف عنده وعدم مخالفته بتأويلات بعيدةٍ.