ج - باستعراض هذه الأصناف نجد أنها قد استغرقت الأقوات كلها التي كان المسلمون آنذاك يقتاتون بها، فلم تستثن النصوصُ أيَّ صنف من الأقوات من جواز إخراج زكاة الفطر منها، وبمعنى آخر فإن زكاة الفطر يخرجها المسلمون مما يقتاتون به، ولم تأت الأصناف في الأحاديث على سبيل الحصر كما قد يتوهم بعضهم فالقمح أو قل السمراء وهي القمح الشامي، قد تأخر شيوعه إلى زمان عمر بن الخطاب ومعاوية، فراح المسلمون يخرجون زكاة الفطر منه، مما يدل دلالة واضحة على أن الصحابة لم يفهموا أنَّ الأصناف المذكورة هي للحصر، وأنها لا تعدو كونها مجردَ ذِكرٍ لأقواتهم التي كانوا يقتاتون منها، ومما يؤكد هذا الفهم الحديثُ الذي رواه الدارَقُطني (٢/١٤٠) من طريق علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده - وهو جعفر الصادق - عن آبائه {أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الصغير والكبير، والذكر والأنثى ممن تمونون} وهو حديث حسن. ولا يقال إِن آباءه في الحديث جاءوا مجهولين، فإن آباءه يعرفهم المسلمون، فهم محمد بن علي، وعلي بن الحسين، والحسين بن علي، وعلي بن أبي طالب، وهؤلاء جميعاً ثقات، وقد أخرج لجعفر الشيخان، فالحديث يُحتَجُّ به، وهو واضح الدلالة على ما نقول. ومما يزيدنا اطمئناناً الحديث الذي رواه الدارَقُطني أيضاً (٢/١٤١) والترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً ينادي في فِجاج مكة: ألا إنَّ زكاة الفطر واجبة على كل مسلم على كل ذكرٍ وأنثى، حرٍّ وعبدٍ، وصغيرٍ وكبيرٍ مُدَّان من قمح، أو صاع مما سواه من الطعام} وقد مرَّ في صدر بحث [على من تجب زكاة الفطر] برواية الترمذي. فقوله (مُدَّان من قمحٍ أو صاع مما سواه من الطعام) جاء بلفظ عام، فيدخل تحته كل طعام يأكله الناس. وعلى هذا نقول ما يلي: