ولي هنا وقفةٌ مهمة أخرى هي: أنَّ المسلمين كما أنهم في حاجةٍ لثورةٍ فكريةٍ غير تقليدية لإِنهاضهم وتخليصهم من التخلف، فإِنَّ الفقه الإسلاميَ في حاجةٍ هو الآخر لثورةٍ وإبداعٍ غير تقليديَّين من أجل إعادة الحياةِ إليه، ولا تكون الثورةُ بالتوسُّع في التعليم العالي في الجامعات وكليات الشريعة ولن تكون، ما دامت الجامعاتُ والكلياتُ تسير على المناهج الحالية، إِذ أنَّ هذه الجامعات والكليات، ومنها جامعةُ الأزهر، قد اعتمدت الطريقة الصناعية في الفقه وجمدت عليها، ولم يعد يُرجى منها إحداثُ ثورة فيه، ولذا لا نجد جامعةً ولا كلية شريعة قد خرَّجت مجتهدين ولا حتى فقهاء، وإنما تقوم هذه الجامعات والكلياتُ بتخريج متعلمين ومتفقهين فحسب، والفارق بين الفقيه والمتفقه، هو أن الفقيه يملك رأياً خاصاً به في المسائل الفقهية، أما المتفقه فهو من لا يملك رأياً خاصاً به، وإنما يملك آراءَ غيره من الفقهاء، فتجده إن سُئل عن مسألةٍ فقهية أجاب بقوله: إنَّ المذهب الفلاني يقول في هذه المسألة كذا، وإنَّ العالم أو الإمام العلاني يقول في هذه المسألة كذا وقلما تجده يُرجِّح بين الرأيين، وحتى لو قام بالترجيح فإن الرأي الذي يرجِّحه ليس رأيه هو وإنما هو رأي فقيه من الفقهاء.
وإني أرى أنَّ الحل الأوحد هو فعلاً العودةُ إلى طريقة الصحابة في التلقي والاستنباط،وتكون بأن تقوم الجامعاتُ والكلياتُ والمعاهد الشرعيةُ بإِقرار هذه الطريقة وجعل المناهج كلها تقوم عليها، وما لم يحصل هذا، فإنَّ الفقه سيظلَّ في حالة جمودٍ وركود، والله يهدينا إلى الرشاد والسداد.