٨- أما كيف نتخلص من الطريقة الصناعية لاستنباط الأحكام الشرعية والاجتهاد، ونعود إِلى الطريقة الطبيعية التي سادت العصور الثلاثة الأولى، أي طريقة الصحابة والتابعين وتابعيهم في الاستدلال والاجتهاد، فما علينا إِلا الانكبابُ على النصوص من كتاب الله المجيد، والأحاديث النبوية الشريفة: قراءةً وحفظاً وتفسيراً، انكباباً يصحُّ وصفُه بأنه معايشةٌ دائمةٌ للنصوص الشرعية، يستمر السنين والسنين، حتى تتكون لدينا القدرة والدراية، التي كان يملكها صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التعامل مع النصوص الشرعية فهماً واستنباطاً ودلالات، تماماً مثل القدرةِ التي نملكها نحن في التعامل مع كلامِ بعضنا لبعضٍ، فنفهم النصوص كما نفهم تماماً كلامَ بعضنا لبعضٍ، وبدون هذه الطريقة فلن يُفتحُ بابُ الاجتهاد، وإِن فُتح فلن يكون اجتهاداً صحيحاً فيه قابليةُ الدوام والاستمرارية.
ولي هنا وقفةٌ مهمةٌ، فأقول ما يلي: إنَّ المجتهد إِما أن يكون مجتهِداً مطلقاً، وإِما أن يكون مجتهدَ مسألة، وإِما أن يكون مجتهد مذهبٍ كما هو معلوم، فأَما المجتهدان الأول والثاني فإن فيهما الخير الكثير للفقه وللمسلمين. أما مجتهد المذهب، وهو من يقوم بالاجتهاد بحسب القواعد الأُصولية التي يتبناها إِمامُه فينظر، فإن كان هذا المجتهدُ يُطلِق لعقلِه ولفهمِه العِنان في استنباط الأحكامِ، ولا يتقيد بما توصل إليه إِمامه من أحكام، فلا بأس، وفيه من الخير ما في المجتهد المطلق ومجتهد المسألةِ، وذلك كابن المنذر من الشافعية. وأما إن كان هذا المجتهدُ لا يخرج في اجتهاده عن اجتهاد إِمامه، ولا يكون له من همٍّ وقصدٍ إلا نصرة مذهبه وإِمامه فإن هذا المجتهد لا بدَّ من أن يُتهمُ بمجانبة النزاهةِ والموضوعيةِ، ويُحجَب في كثير من الأحيان عن الرأي الصائب والحكم الصحيح وذلك كالطحاوي من الحنفية.