...وبذلك يتبين بشكل جليٍّ وواضح جوازُ الصوم والفطر على السواء، دون أن يكون لأيٍّ منهما أي فضل على الآخر. ومما سبق يتبين خطأ من ذهبوا إلى تفضيل الصوم على الفطر، وخطأ من ذهبوا إلى تفضيل الفطر على الصوم في السفر، ويتبين بشكل أوضح خطأ من ذهبوا إلى عدم جواز الصوم في السفر وأن من صام وجب عليه القضاء.
وإني أرى أن الرأي الصحيح هو الرأي المنسوب إلى عمر بن عبد العزيز وابن المنذر القائل بأن أيسر الاثنين أفضلُهما، دون تعيين أحدهما على أنه الأفضل، وذلك أولاً: لدلالة الآية { ... يريد الله بكم اليسرَ ... } وثانياً: لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما خُيٍّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فقد روى البخاري (٣٥٦٠) ومسلم وأبو داود ومالك وأحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت {ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرَهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه ... } وهنا قد حصل التخيير بين أمرين دونما إثم، فكان أخذُ الأيسر هو الأخذَ بالهَدْي النبوي الكريم.
...وهنا يثور سؤال لا بد منه هو: كيف نفسِّر قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر) ؟ ألا يدل هذا القول على أفضلية الفطر؟ والجواب عليه من وجوه:
أولاً: إن الأمر بالفعل لا يعني بالضرورة النهيَ عن ضده، كما أن النهي عن الفعل لا يعني بالضرورة الأمر بضده، وهنا نقول إن نفي البر عن الصيام في السفر لا يعني أن البر إنما يكون في الفطر.