بِمُؤْمِنِينَ {٥٣} إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهِ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ {٥٤} مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ {٥٥} إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {٥٦} فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ {٥٧} وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ {٥٨} } [هود: ٥٠-٥٨] قوله: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [هود: ٥٠] هذا عطف على قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [هود: ٢٥] كأنه قال: أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا وكان أخاهم في النسب لا في الدين، قال ابن عباس: يريد ابن أبيهم.
وقوله: {إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ} [هود: ٥٠] أي: ما أنتم إلا كاذبون في إشراككم مع الله الأوثان، وما بعد هذا قد تقدم تفسيره إلى قوله: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: ٥٢] قال المفسرون: إن الله تعالى حبس المطر عن قوم عاد ثلاث سنين، وأعقم أرحام نسائهم، فقال لهم هود: إن أنتم آمنتم أحيى الله بلادكم ورزقكم المال والولد.
وذلك قوله: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: ٥٢] ، وقد تقدم تفسيره في أول { [النعام] وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [سورة هود: ٥٢] فسرت القوة ههنا بالمال والولد والشدة وكل هذا مما يقوي به الإنسان، قال ابن عباس في رواية الكلبي، ومقاتل: يعني العدد وكثرة الأولاد.
وقوله: {وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: ٥٢] لا تتركوا الإيمان بالله، ولا تعرضوا عنه، {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} [هود: ٥٣] أي: بحجة واضحة {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود: ٥٣] أي: بقولك، والباء وعن تتعاقبان {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [هود: ٥٣] بمصدقين.
{إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود: ٥٤] أي: ما نقول في سبب مخالفتك إيانا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بالجنون فأفسد عقلك وأجنك، فالذي تُظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير، يقال: عراه أمر كذا، واعتراه.
إذا غشيه وأصابه، فقال نبي الله عند ذلك: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهِ} [هود: ٥٤] الآية، يعني: إن كان عندكم أنها عاقبتي ليطغى عليها، فإني على بصيرة في البراءة منها والعيب لها، وقوله: فَكِيدُونِي جَمِيعًا أي: احتالوا أنتم وأوثانكم في عداوتي وغيظي {ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} [هود: ٥٥] لا تمهلوني، قال الزجاج: وهذا من أعظم آيات الأنبياء، أي: يقبل النبي على قومه مع كثرة عددهم فيقول لهم هذا القول، وذلك للثقة بنصر الله تعالى.
ثم ذكر ذلك فقال: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: ٥٦] أي: إلا هي في قبضته وتنالها قدرته كيف شاء، والعرب إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع قالوا: «ما ناصيته إلا بيد فلان» ، أي: إنه مطيع له يصرفه كيف يشاء، لأن من أخذته بناصيته وهو شعر مقدم الرأس فقد قهرته، قوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: ٥٦] قال الزجاج، وابن الأنباري: أي: أنه وإن كان قادرا عليهم فهو لا يظلمهم ولا يلحقهم بقدرته عليهم إلا ما يوجب الحق وقوعه بهم.
وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد: أن الذي بعثني الله به دين مستقيم.
والمعنى على هذا: إن دين ربي على صراط مستقيم فَإِنْ تَوَلَّوْا أي: تتولوا بمعنى تعرضوا عما دعوتكم إليه من الإيمان بالله وعبادته {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} [هود: ٥٧] قال الزجاج، وابن الأنباري: معناه: فقد ثبتت الحجة عليكم، وظهر فساد مذهبكم.
{وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [هود: ٥٧] قال ابن عباس: ويخلق بعدكم من هو أطوع لله منكم.
{وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} [هود: ٥٧] قال: يريد هلاككم لا ينقص من ملك ربي شيئا.
وقال غيره: لا تضرونه شيئا بإعراضكم، إنما تضرون أنفسكم لأن ضرر كفركم عائد عليكم.
{إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} [هود: ٥٧] من أعمال العباد حَفِيظٌ حتى يجازيهم عليها.
قوله {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} [هود: ٥٨] بهلاك عاد {نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} [هود: ٥٨] قال ابن عباس: يريد حيث هديتهم للإيمان وعصمتهم من أن يكفروا بي.
فمعنى الرحمة ههنا ما أراهم من الهدى والبيان {وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [هود: ٥٨] يعني: ما عذب به الذين كفروا، ثم ذكر عادا فقال: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ {٥٩} وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ {٦٠} وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ {٦١} قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ {٦٢} قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةً مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ {٦٣} وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا