قال أصحاب الأخبار: فأقام في بيت الملك سنة، فلما انصرفت السنة من يوم أن سأل الإمارة دعاه الملك، وتوجه، ورداه بسيفه، وأمر له بسرير من ذهب، وضرب عليه كلة من إستبرق مكللة بالدر والياقوت، ثم أمره أن يخرج، فخرج متوجا لونه كالثلج، ووجهه كالقمر يرى الناظر وجهه في صفاء لونه، فانطلق حتى جلس على السرير، ودانت له الملوك، ولزم الملك بيته، وفوض أمره إليه، وعزل قطفير عما كان عليه، وجعل يوسف مكانه، ثم إن قطفير هلك في تلك الليالي، فزوج الملك يوسف براعيل امرأة قطفير، فلما دخل عليها قال لها: أليس هذا خيرا مما كنت تريدين؟ فقالت: أيها الصديق، لا تلمني فإني كنت امرأة حسناء ناعمة في ملك ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما جعلك الله في صورتك فغلبتني نفسي، فلما بنى بها يوسف وجدها عذراء، فأصابها، فولدت له ابنين: أفرايم، وميشا ابني يوسف، واستوثق ليوسف ملك مصر.
فذلك قوله:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ}[يوسف: ٥٦] أي: ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه أقدرنا يوسف على ما يريد في الأرض أرض مصر {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ}[يوسف: ٥٦] هذا تفسير التمكين، وقرأ ابن كثير: نشاء بالنون وذلك أن مشيئة يوسف لما كانت بمشيئة الله وإقداره عليها جاز أن ينسب إلى الله تعالى، وإن كان في المعنى ليوسف {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ}[يوسف: ٥٦] قال ابن عباس: أتفضل على من أشاء برحمتي.
{وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا}[يوسف: ٥٧] أي: ما يعطي الله تعالى من ثواب الآخرة خير للذين آمنوا، أي: خير مما يعطي الله المؤمنين في الدنيا، والمعنى: أن ما يعطي الله يوسف في الآخرة خير مما أعطاه في الدنيا، وكذلك غيره ممن يسلك طريقه في الصبر على المكاره، وقال أصحاب الأخبار: لما اطمأن يوسف في ملكه، وخلت السنون المخصبة ودخلت سِنُو الجدب، جاءت بهول لم يعهد الناس مثله، وأصاب الناس الجوع، ولما كان بدو القحط بينما الملك نائم أصابه الجوع في نصف الليل، فهتف الملك: يا يوسف الجوع الجوع.
فقال يوسف: هذا أوان القحط.
وكان يوسف لا يمتلئ شبعا من الطعام في تلك الأيام، فقيل له: أتجوع وبيدك خزائن الأرض؟ فقال: أخاف إن شبعت أنسى الجائع.
وقصد الناس مصر يمتارون، وأصاب أرض كنعان، وبلاد الشام من القحط والشدة ما أصاب سائر البلاد، ونزل بيعقوب من ذلك ما نزل بالناس، فأرسل بنيه إلى مصر للميرة، وأمسك بنيامين عنده فلما دخلوا عليه عرفهم يوسف وأنكروه فذلك قوله:{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ {٥٨} وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ {٥٩} فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ {٦٠} قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ {٦١} وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {٦٢} فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ