إلا الله، {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}[إبراهيم: ٩] قال ابن مسعود: عضوا عليها غيظا.
والمعنى أنهم ثقل عليهم مكان الرسل، فعضوا على أصابعهم من شدة الغيظ، وقال الكلبي: وضعوا الأيدي على الأفواه إشارة إلى الرسل أن اسكتوا.
{وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ}[إبراهيم: ٩] أي: على زعمكم بالإرسال لا أنهم أقروا أنهم أرسلوا.
قالت لهم، {رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}[إبراهيم: ١٠] وهذا استفهام إنكار، أي: لا شك في الله، والمعنى: في توحيد الله، ثم ذكر ما يدل على وحدانيته، فقال:{فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ}[إبراهيم: ١٠] بالرسل والكتب، {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}[إبراهيم: ١٠] قال أبو عبيدة: من زائدة.
{وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}[إبراهيم: ١٠] لا يعالجكم بالعذاب، بل يؤخركم ويمتعكم في الدنيا إلى الأجل المسمى لكم، وهو الموت، قالوا للرسل، {إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا}[إبراهيم: ١٠] ما أنتم إلا مخلوقون مثلنا، ليس لكم علينا فضل، {تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا}[إبراهيم: ١٠] على ما تقولون، بسلطان مبين بحجة ظاهرة.
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}[إبراهيم: ١١] اعترفوا لهم بأنهم آدميون مخلوقون مثلهم، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}[إبراهيم: ١١] يعنون بالنبوة والرسالة، {وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ}[إبراهيم: ١١] ليس لنا أن نأتيكم ببرهان وحجة ومعجزة إلا أن يشاء الله ذلك، أي: ليس لنا ذلك من قبل أنفسنا، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[إبراهيم: ١١] وإليه فليفوض المؤمنون أمورهم.
{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ}[إبراهيم: ١٢] أي: أيُّ شيء لنا إذا لم نتوكل على الله ولم نفوض إليه أمورنا، يعني أن العبد، وإن لم يتوكل، لم يدرك بجهده شيئا لم يقضه الله، {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا}[إبراهيم: ١٢] عرفنا طرق التوكل، {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}[إبراهيم: ١٢] وإنما قص هذا وأمثاله في القرآن على نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقتدي بمن قبله من النبيين، ويعلم أنهم أوذوا في سبيل الله، فصبروا وتوكلوا.