شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ {٣٥} وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {٣٦} إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ {٣٧} } [النحل: ٣٥-٣٧]{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا}[النحل: ٣٥] يعني أهل مكة، {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}[النحل: ٣٥] أي: لو شاء الله ما أشركنا، ولكنه شاءه لنا، {وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}[النحل: ٣٥] من البحيرة، والسائبة، قال الزجاج: إنهم قالوا هذا على جهة الهزء، ولو قالوا هذا معتقدين لكانوا مؤمنين، ولكنهم قالوا مستهزئين.
ونظير هذه الآية قد تقدم في { [الأنعام، وقوله:] كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[سورة النحل: ٣٥] أي: من تكذيب الرسل، وتحريم ما أحل الله، {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النحل: ٣٥] يعني ليس عليهم إلا التبليغ، فأما الهداية فهي إلى الله، يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
وقد حقق هذا فيما بعد، وهو قوله:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا}[النحل: ٣٦] يعني كما بعثناك في هؤلاء، {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}[النحل: ٣٦] أي بعبادة الله، واجتنبوا الطاغوت الشيطان وكل من يدعو إلى الضلالة، {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ}[النحل: ٣٦] أرشده، {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ}[النحل: ٣٦] قال ابن عباس: يريد في سابق علمي.
قال الزجاج: أعلم الله أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة وهو من وراء الإضلال والهداية.
ومعنى حقت عليهم الضلالة وجب عليهم الكفر، كما قال:{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ}[الأعراف: ٣٠] ، ثم قال:{فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ}[النحل: ٣٦] أي: معتبرين بآثار الأمم المكذبة، وهو قوله:{فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[النحل: ٣٦] ثم أكد أن من حقت عليه الضلالة لا يهتدي.
فقال:{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ}[النحل: ٣٧] أي: إن تطلب بجهدك ذلك، {فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ}[النحل: ٣٧] أي من يضله، وهذا كقوله:{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ}[الأعراف: ١٨٦] وقرأ أهل الكوفة بفتح الياء، والمعنى: فإن الله لا يرشد من أضله.
قوله:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {٣٨} لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ {٣٩} إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {٤٠} وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {٤١} الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {٤٢} } [النحل: ٣٨-٤٢]{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}[النحل: ٣٨] قال ابن عباس: أغلظوا في الإيمان، تكذيبا منهم بقدرة الله على البعث بعد الموت.
وهو قوله:{لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}[النحل: ٣٨] فقال الله ردا عليهم: {بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا}[النحل: ٣٨] أي: بلى ليبعثنهم وعدا