والآخر جبر، وكانا صيقلين، يقرآن كتابا لهما بلسانهما، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمر عليهما ويسمع قراءتهما، وكان المشركون يقولون: يتعلم منهما.
فأكذبهم الله، فقال: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} [النحل: ١٠٣] .
الإلحاد معناه الميل، يقال: لحد وألحد إذا مال عن القصد.
وقراءة العامة بضم الياء، وقرئ بفتح الياء من لحد، والأولى ضم الياء لأنه لغة القرآن، يدل عليه قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [الحج: ٢٥] ويكون الإلحاد بمعنى الإمالة، وفسر الإلحاد في هذه الآية بالقولين، فقال الفراء: يميلون من الميل.
وقال الزجاج: لسان الذي يميلون القول إليه أعجمي.
وقال ابن قتيبة: أي يؤمنون إليه، ويزعمون أن يعلمك أعجمي لا يفصح ولا يتكلم بالعربية، فكيف يتعلم منه ما هو في أعلى طبقات البيان.
وهو قوله: هَذَا يعني القرآن، {لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٣] قال ابن عباس: أفصح ما يكون من العربية، وأبينه لسان سعد بن بكر بن هوازن.
ثم جعل المشركين هم الذين يفترون، فقال: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: ١٠٥] قال الزجاج: إنما يفتري الكذب الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله كذبوا بها، فهؤلاء أكذب الكذبة.
ثم سماهم الكاذبين، وحصر فيهم الكذب، فقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: ١٠٥] أي أن الكذب نعت لازم لهم، وعادة من عاداتهم، وهذا كما تقول: كذبت وأنت كاذب، فيكون قولك: وأنت، زيادة في الوصف بالكذب.
وفي الآية أبلغ زجر عن الكذب، حيث أخبر الله أنه إنما يفتري الكذب من لا يؤمن.
٥٢٩ - أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أنا أبو حفص عمر بن أحمد الجوزي، أنا جدي محمد بن عمر بن حفص الزاهد، أنا أبو بكر محمد بن الفرج الأزرق، نا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، نا أبو زياد يزيد بن عبد الله، نا يعلى بن الأشدق، عن عبد الله بن جراد، قال: قلت: يا رسول الله، المؤمن يزني؟ قال: قد يكون ذلك.
قلت: يا رسول الله، المؤمن يسرق؟ قال: قد يكون ذلك.
قال: قلت: يا رسول الله، المؤمن يكذب؟ قال: لا، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: ١٠٥] .