والمعنى أنك أنشأته فِي حال كونه من طين، واعتقد إبليس، لعنه الله، أن النار أكرم أصلا من الطين، وأنه أكرم ممن خلق من الطين، وذهب عليه بجهله أن الجواهر كلها من جنس واحد، وأن الله عز وجل يصرفها بالإعراض كيف شاء، مع كرم جوهر الطين بكثرة ما فِيهِ من المنافع.
قال إبليس، {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}[الإسراء: ٦٢] أي: أرأيت هذا الذي فضلته عليَّ، يعني آدم، والكاف فِي أرأيتك لا موضع لها، لأنها ذكرت فِي الخاطبة توكيدا، {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[الإسراء: ٦٢] أي: أخرت أجل موتي، {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ}[الإسراء: ٦٢] لأستأصلنهم، ولأستولين عليهم بالإغواء والإضلال، وأصله من احتناك الجراد الزرع، وهو أن تأكله وتستأصله بأحناكها وتفسده، وهذا هو الأصل، ثم يسمى الاستيلاء على الشيء وأخذ كله احتناكا، وقوله: إلا قليلا يعني المعصومين، قال ابن عباس: هم أولياء الله الذين عصمهم، وهم الذين استثنى الله فِي قوله:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الإسراء: ٦٥] .
قال الله تعالى لإبليس:{اذْهَبْ}[الإسراء: ٦٣] وهذا اللفظ يتضمن معنى إنظاره وتأخير أجله، فمن تبعك أي: أطاعك واتبع أمرك، منهم من ذرية آدم، {