وقوله:{وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا}[الإسراء: ٧١] أي: لا ينقصون من ثوابهم بمقدار فتيل، وهو القشرة التي فِي شق النواة، ويضرب مثلا للشيء الحقير.
قوله:{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ}[الإسراء: ٧٢] يعني فِي الدنيا، أعمى عما يرى من قدرة الله تعالى فِي خلق السموات والأرض، والبحار والجبال، {فَهُوَ فِي الآخِرَةِ}[الإسراء: ٧٢] أي: فِي أمرها مما لم يعاينه، {أَعْمَى}[الإسراء: ٧٢] أشد عمى، وكلاهما من عمى القلب لا من عمى العين، قال قتادة: من عاين الشمس والقمر، فلم يؤمن، فهو أعمى عما يغيب عنه، أن يؤمن به هذا الذي ذكرنا قول عامة المفسرين.
وقال الحسن: من كان فِي الدنيا ضالا كافرا، فهو فِي الآخرة أعمى وأضل سبيلا، لأنه فِي الدنيا تقبل توبته، وفي الآخرة لا تقبل توبته.
اختار أبو إسحاق الزجاج هذا القول، فقال: تأويله إنه إذا عمي فِي الدنيا، وقد عرفه الله الهدى، وجعل له إلى التوبة وصلة، فعمي عن رشده، ولم يتب، فهو فِي الآخرة أعمى، أي: أشد عمى وأضل سبيلا، لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية.
واختاره أبو علي الفارسي أيضا، فقال: معنى قوله: {فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى}[الإسراء: ٧٢] أي: أشد عمى فِي الدنيا، كان ممكنا من الخروج عن عماه بالاستدلال، ولا سبيل له فِي الآخرة إلى الخروج من عماه، لأنه قد حصل على عمله.
وكذلك قوله: وأضل سبيلا لأن ضلاله فِي الآخرة لا سبيل له إلى الخروج منه، وقرأ أبو عمرو فِي هذه أعمِي بكسر الميم، {فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى}[الإسراء: ٧٢] بفتح الميم، أراد أن يفرق بين ما هو اسم، وبين ما هو أفعل منه، فغاير بينهما بالإمالة، وتركها لأن معنى قوله:{فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى}[الإسراء: ٧٢] أي: أعمى منه فِي الدنيا، ومعنى العمى فِي الآخرة أنه لا يهتدي إلى طريق الثواب.
{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا {٧٣} وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا {٧٤} إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا {٧٥} وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا {٧٦} سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا {٧٧} } [الإسراء: ٧٣-٧٧] قوله: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ}[الإسراء: ٧٣] أي: هموا وقاربوا أن يزيلوك ويصرفوك، {عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}[الإسراء: ٧٣] يعني القرآن، والمعنى عن حكمه نزلت الآية فِي وفد ثقيف، أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: متعنا باللات سنة، وحرم وادينا كما حرمت مكة، فإنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم، فإن كرهت ما نقول، وخشيت أن تقول العرب: أعطيتهم ما لم تعط غيرهم، فقل: الله أمرني بذلك.
فأمسك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم، وداخلهم الطمع، وقد هم أن يعطيهم ذلك، فأنزل الله