وقوله: إلى المدينة يعني دقسوس، وهي مدينتهم، ويقال: هي اليوم طرسوس، {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا}[الكهف: ١٩] قال عطاء، وسعيد بن جبير: أحل الذبائح، وذلك أن عامة أهل بلدهم كانوا كفارا، وفيهم قوم يخفون إيمانهم.
وقال مجاهد: قالوا لصاحبهم لا تتبع طعاما فِيهِ ظلم ولا غصب.
{فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ}[الكهف: ١٩] بما تأكلونه، وليتلطف وليدقق النظر، وليحتل حتى لا يطلع عليه، {وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}[الكهف: ١٩] قال ابن عباس: لا يخبرن بكم، ولا بمكانكم أحدا من أهل المدينة.
قوله:{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ}[الكهف: ٢٠] يشرفوا ويطلعوا عليكم، ويعلموا مكانكم، يرجموكم يقتلوكم بالرجم، وهو من أخبث القتل، {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ}[الكهف: ٢٠] قال ابن عباس: يردوكم إلى دينهم، {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف: ٢٠] أي: إن رجعتم إلى دينهم لم تسعدوا فِي الدنيا ولا فِي الآخرة.
قوله:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ}[الكهف: ٢١] قال المفسرون: إن الفتية لما هربوا من ملكهم، ودخلوا الكهف، أمر الملك أن يسد عليهم باب الكهف، ويدعوهم كما هم فِي الكهف ليموتوا عطشا وجوعا، وليكن كهفهم الذي اختاروا قبرا لهم، وهو يظن أنهم أيقاظ، وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم، ثم إن رجلين مؤمنين كتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم فِي لوح من رصاص، وجعلاه فِي تابوت من نحاس، وجعلا التابوت فِي البنيان الذي بنوا على باب الكهف، وقالوا: لعل الله يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة، فيعلموا خبرهم حين يقرأون هذا الكتاب.
ثم انقرض أهل ذلك الزمان، وخلفت بعدهم قرون، وملوك كثيرة، وملك أهل تلك البلاد رجل صالح، يقال له: تندوسيس.
وتحزب الناس فِي ملكه أحزابا، منهم من يؤمن بالله تعالى، ويعلم أن الساعة حق، ومنهم من يكذب، فكبر ذلك على الملك الصالح، وشكا إلى الله تعالى، وتضرع، وقال: أي رب، اختلاف هؤلاء، فابعث لهم آية تبين لهم أن البعث حق، وأن الساعة آتية {لا رَيْبَ فِيهَا}[الكهف: ٢١] .
فألقى الله فِي نفس الرجل من أهل ذلك البلد الذي به الكهف، أن يهدم البنيان الذي على فم الكهف، فيبني منه حظيرة لغنمه، ففعل ذلك، وبعث الله الفتية من نومهم، فأرسلوا أحدهم ليطلب لهم طعاما، فاطلع الناس على أمرهم، وبعثوا إلى الملك الصالح يعلمونه الخبر ليعجل القدوم عليهم، وينظر إلى آية من آيات الله جعلها الله فِي ملكه آية للعالمين، فتية بعثهم الله تعالى، وقد كان توفاهم منذ أكثر من ثلاث مائة سنة، فلما بلغه الخبر، حمد الله، وركب، وركب معه أهل مدينته حتى أتوا مدينة أصحاب الكهف، فذلك قوله:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ}[الكهف: ٢١] أي: وكما أنمناهم وبعثناهم أعثرنا أطلعنا وأظهرنا، {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ}[الكهف: ٢١] بالبعث والثواب والعقاب، حق وأن القيامة لا شك فيها {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ}[الكهف: ٢١] تنازع أهل ذلك الزمان فِي قدر مكثهم فِي الكهف، وفي عددهم، وفيما يفعلون بعد أن اطلعوا عليهم، فقال الله تعالى:{رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ}[الكهف: ٢١] بشأنهم وعددهم، وقال مشركو ذلك الوقت:{ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا}[الكهف: ٢١] يعني: استروهم من الناس بأن تجعلوه وراء ذلك البنيان، كما يقال: بني عليه جدارا، إذا حوطه وجعله وراء الجدار.
{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ}[الكهف: ٢١] وهم المؤمنون الذين لم يشكوا فِي البعث، الملك وأصحابه:{لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}[الكهف: ٢١] ذكر فِي القصة أن الملك جعل على باب الكهف مسجدا، وجعل عنده عيدا عظيما، وأمر أن يؤتى كل سنة، قال الزجاج: هذا يدل على أنه لما ظهر أمرهم، غلب المؤمنون بالبعث والنشور، لأن المساجد للمؤمنين.