وضربت هذه القصة مثلا للمؤمن والكافر، فالكافر تغره دنياه، ويتبجح بها، ويظن أنها تبقى له، والمؤمن من صبر على نوائبها، احتسابا بها جميل الآخرة، ولا يركن إليها، لما يعلم من فنائها، وسرعة انقضائها، وقبل ذكر قصة الأخوين، ذكر الله ما أعد للكافرين والمؤمنين.
ثم عاد الكلام إلى ما قبل القصة، فقال: هنالك قال الكلبي: يقول عند ذلك، وهو يوم القيامة.
{الْوَلايَةُ}[الكهف: ٤٤] أكثر القراء على فتح الواو، والولاية نقيض العداوة، ويجوز الكسر فِيها، ذكرنا ذلك فِي { [الأنفال، وقوله: لله الحق من كسر القاف، جعله من وصف الله تعالى، ويدل على صحة هذه القراءة قوله:] وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}[سورة النور: ٢٥] وقوله: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ}[الأنعام: ٦٢] ومن ضم القاف، جعله من وصف الولاية، وحجته قراءة أُبَيٍّ هنالك الولاية الحق لله قال ابن قتيبة: يريد يومئذ يتولون الله تعالى ويؤمنون به، ويتبرءون مما كانوا يعبدون.
وذهب آخرون إلى أن الولاية ههنا بمعنى تولى الأمر، لا إلى معنى الموالاة، فقالوا: معنى الآية فِي ذلك الموطن الذي هو موطن الجزاء، لا يتمكن أحد من نصر أحد، بل الله تعالى يتولى ذلك، فينصر المؤمنين، ويخذل الكافرين، لا يملك ذلك أحد من العباد، فالولاية يومئذ تخلص له، كما قال:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: ٤] .
وقوله:{هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا}[الكهف: ٤٤] يقول: هو أفضل ثوابا ممن يرجى ثوابه، على تقدير لو كان يثيب غيره، هو خير ثوابا، وخير عقبا أي: عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره، فهو خير عقب طاعة وإثابة، ثم حذف المضاف إليه.
قوله:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا {٤٥} الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا {٤٦} } [الكهف: ٤٥-٤٦] واضرب لهم يعني قومك، {مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف: ٤٥] وهذا مفسر فِي { [يونس إلى قوله:] فَأَصْبَحَ هَشِيمًا}[سورة الكهف: ٤٥] وهو الكسير المتفتت، والهشم الكسر، والهشيم ما تكسر وتحطم من يبس النبات، {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}[الكهف: ٤٥] الذرو: حمل الريح الشيء، ثم تنشره وتفرقه، يقال: ذرته الريح تذروه.
قال المفسرون: ترفعه وتفرقه.
{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}[الكهف: ٤٥] من الإنشاء والإفناء، {مُقْتَدِرًا}[الكهف: ٤٥] قادرا على إنشاء النبات ولم يكن، ثم أفناه.
قوله:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ}[الكهف: ٤٦] الآية، هذا رد على