ويوم أي: وأذكر يوم تسير الجبال من وجه الأرض كما يسير السحاب فِي الدنيا، ثم يكسر، فيعود فِي الأرض، كما قال:{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا {٥} فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا {٦} } [الواقعة: ٥-٦] وقرئ نسير الجبال على بناء الفعل للفاعل، وهذه القراءة أشبه بما بعده من قوله:{وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ}[الكهف: ٤٧] ، وقوله:{وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً}[الكهف: ٤٧] أي: ظاهرة ليس عليها شيء من جبل أو بناء أو شجر، وحشرناهم يعني المؤمنين والكافرين، فلم نغادر لم نترك ولم نخلف، {مِنْهُمْ أَحَدًا {٤٧} وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ} [الكهف: ٤٧-٤٨] يعني المحشورين، صفا مصفوفين، كل زمرة وأمة صف، لقد جئتمونا أي: فيقال لهم: لقد جئتمونا، {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الكهف: ٤٨] قال ابن عباس: حفاة عراة.
وقال الزجاج: أي بعثناكم وأعدناكم ثانيا كما خلقناكم، لأن قوله: لقد جئتمونا معناه بعثناكم.
بل زعمتم خطاب لمنكري البعث خاص، معناه: بل زعمتم فِي الدنيا، {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا}[الكهف: ٤٨] للبعث والجزاء.
ووضع الكتاب يعني كتاب أعمال الخلق، والكتاب اسم الجنس فيعم، والمعنى: وضع كتاب كل امرئ فِي يمينه أو شماله، {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ}[الكهف: ٤٩] يريد المشركين، {مُشْفِقِينَ}[الكهف: ٤٩] خائفين، مما فيه من الأعمال السيئة، {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا}[الكهف: ٤٩] لوقوعهم فِي الهلكة، يدعون بالويل على أنفسهم، {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً}[الكهف: ٤٩] قال ابن عباس فِي رواية عكرمة: الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك.
وقال سعيد بن جبير: الصغيرة اللحم، والكبيرة الزنا.
إلا أحصاها عدها وأثبتها وكتبها، {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا}[الكهف: ٤٩] مكتوبا مثبتا ذكره فِي الكتاب، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف: ٤٩] لا يعاقبه بغير جرم.
ثم أمر نبيه أن يذكر هؤلاء المتكبرين عن مجالسة الفقراء، قصة إبليس، وما أورثه الكبر، فقال:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا {٥٠} مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا {٥١} وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا {٥٢} وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا {٥٣} } [الكهف: ٥٠-٥٣]{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا}[الكهف: ٥٠] إلى قوله: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ}[الكهف: ٥٠] قال ابن عباس فِي رواية عطاء: إن ملائكة السماء الدنيا يقال لهم الجن.
مثل قوله:{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}[الصافات: ١٥٨] يعني حين قالوا: الملائكة بنات الله تعالى.
وقال شهر بن حوشب: قال ابن عباس: كان إبليس من الملائكة من قبيل يقال لهم الجن.
وقوله:{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}[الكهف: ٥٠] خرج من طاعة ربه إلى معصيته فِي ترك السجود، قال الفراء: والعرب تقول: