للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا {٢٠} قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا {٢١} } [مريم: ١٦-٢١] قوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: ١٦] قال: واذكر من أمر مريم لأهل مكة.

{إِذِ انْتَبَذَتْ} [مريم: ١٦] قال: الكلبي: تنحت من أهلها، ممن كانوا معها فِي الدار.

يقال: انتبذ فحل ناحية، أي تنحى ناحية.

وقال قتادة: انفردت.

قال ابن قتيبة: اعتزلت مكانا شرقيا.

أي: إلى مكان فِي جانب الشرق.

قال عطاء: إن مريم تمنت أن تجد خلوة، فتفلي رأسها، فخرجت فِي يوم شديد البرد، فجلست فِي مشرقة للشمس.

وقال عكرمة: أرادت الغسل من الحيض، فتحولت إلى مشرقة دارهم للغسل.

{فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ} [مريم: ١٧] من دون أهلها، لئلا يروها، حجابا سترا وحاجزا، {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [مريم: ١٧] بينما هي تغتسل من الحيض، إذ عرض لها جبريل فِي صورة شاب أجرد مضيء الوجه، وهو قوله: {فَتَمَثَّلَ لَهَا} [مريم: ١٧] أي: تصور لها، {بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: ١٧] معتدلا تاما.

قال ابن عباس: فلما رأت جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنْ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: ١٨] أي: مخلصا مطيعا، فستنتهي بتعوذي بالله منك إن كنت تقيا.

قال جبريل: إنما أنا رسول ربك ليهب لك أي: أرسلني ليهب لك، ومن قرأ لأهب أسند الفعل إلى جبريل، والهبة من الله، ولكن أسند إلى الرسول، وقوله: غلاما زكيا قال ابن عباس: يريد نبيا.

وقال الضحاك: صالحا طاهرا من الذنوب.

قالت مريم: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [مريم: ٢٠] ولم يقربني زوج، {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: ٢٠] فاجرة زانية، وإنما لم تقل بغية لأنه مصروف عن وجهه، وهو فعيل بمعنى فاعل، يقال: المرأة تبغي بغاء إذا فجرت.

قال ابن عباس: قالت مريم: ليس لي زوج، ولست بزانية، ولا يكون الولد إلا من الزوج أو من الزنا.

{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: ٢١] مفسر فِي هذه ال { قال ابن عباس: يريد يسير، أن أهب لك غلاما من غير محل.

] وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [سورة مريم: ٢١] دلالة على قدرتنا، كون غلام ليس له أب، ورحمة منا لمن تبعه وصدقه، {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٢١] وكان خلقه أمرا محكوما به، مفروغا عنه، سابقا فِي علم الله أن يقع.

{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا {٢٢} فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا {٢٣} } [مريم: ٢٢-٢٣] قوله: فحملته قال ابن عباس: دنا منها جبريل، فأخذ ردئي قميصها بأصبعيه، فنفخ فِيهِ، فحملت مريم من ساعتها بعيسى عليه السلام، ووجدت حس الحمل.

فذلك قوله: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} [مريم: ٢٢] أي: تنحت بالحمل إلى مكان بعيد، قال ابن عباس: أقصى الوادي، وهو بيت لحم، فرارا من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج.

{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} [مريم: ٢٣] قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي: ألجأها.

يقال: جاءها وأجاءها بمعنى واحد، والمخاض وجع الولادة، واختلفوا فِي مدة حملها، فقال بعضهم: تسعة أشهر على ما جرت العادة به.

وقيل: ثمانية أشهر، ليكون أيضا آية، لأنه إذا جاء لثمانية أشهر لا يعيش.

وقيل: ثلاث ساعات.

وقيل: ساعة واحدة.

وقوله: {إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: ٢٣] قال ابن عباس: نظرت مريم إلى أكمة، فصعدت مسرعة، وإذا عليها جذع نخلة نخرة ليس لها سعف، والجذع ساق النخلة، {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم: ٢٣] اليوم، وهذا الأمر، استحياء من الناس، وخوف الفضيحة، وكنت نِسْيًا منسيا النسي ما أغفل من شيء حقير ونسي، قال ابن عباس، وقتادة: شيئا متروكا لا يذكر.

وقال عكرمة، ومجاهد: حيضة ملقاة، والمنسي المتروك الذي لا يذكر.

تقول: يا ليتني كنت ذلك النسي الذي لا يذكر ولا يطلب.

وقرئ نسيا بالفتح، قال الفراء: هما لغتان، مثل الجسر والجسر، والوتر والوتر.

والنسي: ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها.

قال ابن عباس: فسمع جبريل كلامها، وعرف جزعها: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا {٢٤} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>