للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} [مريم: ٧٣] يعني: على المشركين، آياتنا بينات يريد القرآن، قال الذين كفروا مشركو قريش للذين آمنوا لفقراء المؤمنين، {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} [مريم: ٧٣] أنحن أم أنتم، {خَيْرٌ مَقَامًا} [مريم: ٧٣] وقرئ مقاما بضم الميم، وهما المنزل والمسكن، {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: ٧٣] الندي والنادي: مجلس القوم ومجتمعهم، ومنه قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: ٢٩] والمعنى: إن المشركين قالوا للفقراء المؤمنين: أنحن أم أنتم أعظم شأنا وأعز مجلسا؟ افتخروا عليهم بمساكنهم ومجالسهم.

فقال الله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: ٧٤] الأثاث المال، أجمع الإبل والغنم والعبيد والمتاع، قال ابن عباس، والسدي: الأثاث المال.

وقال قتادة: {أَحْسَنُ أَثَاثًا} [مريم: ٧٤] أكثر أموالا.

الحسن: الأثاث اللباس.

والرئي: المنظر، فعل من رأيت، والمصدر الرأي والرؤية، كالطحن والرعي، والمفسرون يقولون: الرأي: المنظر.

وقال الحسن: الصور.

وقرئ ريا بغير همز.

قال الزجاج: وله تفسيران: أحدهما أن الأول بطرح الهمز، الثاني أنه من الري الذي هو ضد العطن.

والمراد به أن منظرهم مرتو من النعمة، كأن النعيم بين فيهم، لأن الري يتبعه الطراوة كما أن العطش يتبعه الذبول، والمعنى: إن الله قد أهلك قبلهم أقواما كانوا أكثر متاعا وأحسن منظرا فأهلك أموالهم، وأفسد عليهم جوهم، فليخافوا نقمة الله بالإهلاك كسنة من قبلهم من الكفار.

{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا {٧٥} وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا {٧٦} } [مريم: ٧٥-٧٦] قوله: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ} [مريم: ٧٥] قال ابن عباس: قل لهم يا محمد: من كان فِي العماية عن التوحيد ودين الله، {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: ٧٥] هذا لفظ الأمر ومعناه الخبر، أي: مده الرحمن مدا، وكذا فسره ابن عباس، فقال: يريد فإن الله يمد له فِيها حتى يستدرجه.

وقال الزجاج: تأويله أن الله جعل جزاء ضلالته أن يتركه ويمده فِيها، لأن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر، كأن المتكلم يقول: أفعل ذلك وآمر به نفسي، ومعنى مده الله فِي ضلالته: أمهله وطول عمره فِيها، {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} [مريم: ٧٥] يعني: الذين مدهم الله فِي الضلالة، وأخبر عن الجماعة لأن لفظ مَنْ يصلح للجماعة، ثم ذكر ما يوعدون فقال: {إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} [مريم: ٧٥] يعني القتل والأسر، أو القيامة والخلود فِي النار، فسيعلمون حينئذ، {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا} [مريم: ٧٥] أهم أم المؤمنون، لأن مكانهم جهنم، ومكان المؤمنين الجنة، وأضعف جندا وهذا رد عليهم فِي قولهم: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: ٧٣] .

قوله: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا} [مريم: ٧٦] قال الربيع بن أنس: يريد أنه يزيد الذين اهتدوا بكتابه.

هدى بما ينزل عليهم من الآيات فيصدقون بها، وقال الزجاج: المعنى أن الله يجعل جزاء المؤمنين أن يزيدهم يقينا كما جعل جزاء الكافر أن يمده فِي ضلالته.

{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [مريم: ٧٦] الأذكار والأعمال الحسنة من الطاعات التي تبقى لصاحبها ولا تحبط، {خَيْرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>