فِي الآخرة، {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [مريم: ٧٩] نزيده عذابا فوق العذاب.
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} [مريم: ٨٠] أي: ما عنده من المال والولد، بإهلاكنا إياه، وإبطال ملكه، وهذا قول ابن عباس وقتادة، {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: ٨٠] يأتي الآخرة بلا مال ولا ولد.
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا {٨١} كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا {٨٢} أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا {٨٣} فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا {٨٤} } [مريم: ٨١-٨٤] {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً} [مريم: ٨١] يعني: أهل مكة، عبدوا الأصنام من دون الله، {لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم: ٨١] قال الفراء: ليكونوا لهم شفعاء فِي الآخرة.
وهذا معنى قول ابن عباس: ليمنعوهم مني.
وذلك أنهم رجوا منها الشفاعة والنصرة والمنع من عذاب الله.
قال الله تعالى: كلا قال ابن عباس: يريد لا يمنعهم مني شيء.
{سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} [مريم: ٨٢] تجحد الآلهة عبادة المشركين لها، كما قال: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص: ٦٣] وذلك أنها كانت جمادا لا تعلم العبادة، {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: ٨٢] يصيرون أعوانا عليهم، يكذبونهم، ويلعنونهم، ويتبرءون منهم، وقال ابن قتيبة: أي أعداء يوم القيامة، وكانوا فِي الدنيا أولياءهم.
قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} [مريم: ٨٣] ذكر الزجاج فِي هذا وجهين: أحدهما أنَّا خلينا بين الشياطين وبين الكافرين فلم نعصمهم منهم ونعذهم، بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] ، الوجه الثاني، وهو المختار، أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم، كما قال: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف: ٣٦] فمعنى الإرسال ههنا التسليط.
وقوله: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: ٨٣] الأز التحريك والتهييج، قال ابن عباس فِي رواية الوالبي: تغريهم إغراء.
وقال فِي رواية عطاء: نزعجهم إلى المعاصي إزعاجا.
وهو قول قتادة، وقال السدي: نستعجلهم استعجالا.
{فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} [مريم: ٨٤] أي: يطلب العذاب لهم {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: ٨٤] قال ابن عباس: يعني أنفاسهم التي يتنفسون فِي الدنيا، فهي معدودة إلى الأجل الذي أجلت لعذابهم.
وهذا من أبلغ الوعيد، والمعنى: أنا أجلناهم إلى أجل يبلغونه تعد أنفسهم إلى تمام ذلك الأجل.
قوله: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا {٨٥} وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا {٨٦} لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا {٨٧} } [مريم: ٨٥-٨٧] {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ} [مريم: ٨٥] أي: اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجمع فِيهِ من اتقى الله فِي الدنيا بطاعته واجتناب معاصيه، {إِلَى الرَّحْمَنِ} [مريم: ٨٥] إلى جنته ومحل كرامته، {وَفْدًا} [مريم: ٨٥] جمع وافد، كما يقال: راكب وركب، وصاحب وصحب.
فقال: وفد الوافد يفد وفدا ووفادة إذا خرج إلى ملك فِي فتح أو أمر، قاله ابن عباس.
٦٠٠ - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْبَصْرِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ