كما يفتن الذهب بالنار فيخلص من كل خبث وشائب، والفتون مصدر، وقوله: {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [طه: ٤٠] تقدير الكلام وفتناك فتونا فخرجت إلى أهل مدين فلبثت سنين، ومثل هذا الحذف فِي التنزيل كثير، قال الفراء: وهو من كلام العرب، أن تجتزئ بحذف كثير من الكلام إذا كان المعنى معروفا.
ومدين بلد شعيب، وكان على ثمان مراحل من مصر، هرب إليها موسى فأقام بها عشر سنين.
قوله: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه: ٤٠] يعني: على رأس أربعين سنة، وهو القدر الذي يوحى فِيهِ إلى الأنبياء، هذا قول المفسرين، والمعنى: على الوعد الذي وعده الله وقدره فِي علمه أن يوحى إليه بالرسالة، وهو أربعون سنة، وهذا معنى قول محمد بن كعب: ثم جئت على القدر الذي قدرت أن تجيء.
قوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: ٤١] الاصطناع: اتخاذ الصنيعة، وهو الخير تسديه إلى إنسان، قال ابن عباس: يريد اصطنعتك لوحيي ورسالتي.
والمعنى: لتتصرف على إرادتي ومحبتي، وذلك أن تبلغة الوحي، وقيامه بأداء الرسالة تصرف على إرادة الله ومحبته.
وقال الزجاج: تأويله اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خلقي، حتى صرت فِي التبليغ عني بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم.
{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي} [طه: ٤٢] قال ابن عباس: يعني الآيات التسع التي بعث بها موسى.
{وَلا تَنِيَا} [طه: ٤٢] لا تضعفا، ولا تفترا، يقال: ونى يني إذا ضعف.
{فِي ذِكْرِي} [طه: ٤٢] قال الفراء: فِي ذكري وعن ذكري سواء.
والمعنى: لا تقصرا فِي ذكري بالإحسان إليكما والإنعام عليكما، وذكر النعمة شكرها.
{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه: ٤٣] تكرير الأمر بالذهاب للتأكيد، {إِنَّهُ طَغَى} [طه: ٤٣] مر تفسيره.
{فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: ٤٤] قال ابن عباس، والسدي: كنياه.
واختلفوا فِي كنيته، فقيل: أبو العباس، وأبو الوليد، وأبو مرة.
وقال مقاتل: يعني بالقول اللين: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى {١٨} وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى {١٩} } [النازعات: ١٨-١٩] أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد العزيز المروزي، فِي كتابه، أنا محمد بن الحسن الحدادي، أنا محمد بن يحيى، أنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أنا أبو عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: القول اللين أن موسى أتاه فقال له: تسلم وتؤمن بما جئت به، وتعبد رب العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم، وتكون ملكا لا ينزع منك حتى تموت، ولا ينزع منك لذة الطعام والشراب والجماع حتى تموت، فإذا مت دخلت الجنة، وكان لا يقطع أمرا دون هامان، وكان غائبا، فقال فرعون: إن لي ذا أمر وهو غائب حتى يقدم.
فلم يلبث أن قدم