للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْمُؤْمِنِ فِي قَبْرِهِ رَوْضَةً خَضْرَاءَ وَيُرَحَّبُ لَهُ قَبْرُهُ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُنَوَّرُ لَهُ قَبْرُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَتَدْرُونَ فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا، يَنْفُخُونَ فِي جِسْمِهِ وَيَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "

٦١٠ - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الْمَخْلَدِيُّ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ، أنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، نا أَبُو عَمْرٍو الضَّرِيرُ، أنا حَمَّادٌ، أنا أَبُو حَازِمٍ الْمَدَنِيُّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ عَذَابُ الْقَبْرِ، يَلْتَئِمُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَلا يَزَالُ يُعَذَّبُ حَتَّى يُبْعَثَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ، قَالَ: يُرِيدُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ حَتَّى يَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ

وقوله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ١٢٤] قيل في التفسير: أعمى البصر.

وقيل: أعمى عن الحجة.

يعني أنه لا حجة له يهتدي إليها، والأعمى إذا أطلق كان الظاهر عمى البصر.

يدل على هذا قوله: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} [طه: ١٢٥] قال الفراء: يقال إنه يخرج من قبره بصيرا، فيعمى في حشره.

قال الله مجيبا لهذا الكافر: كذلك أي: الأمر كما ترى، {أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه: ١٢٦] فتركتها ولم تؤمن بها، {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: ١٢٦] وكما تركتها في الدنيا نتركك اليوم في النار.

{وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: ١٢٧] وكذلك وكما ذكرنا، {نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ} [طه: ١٢٧] أشرك، {وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: ١٢٧] أفظع وأعظم مما ذكر من عذاب القبر.

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى {١٢٨} وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى {١٢٩} فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى {١٣٠} } [طه: ١٢٨-١٣٠] {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} [طه: ١٢٨] يبين لهم إذا انظروا، يعني كفار مكة، {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} [طه: ١٢٨] يقول: أفلم يبين لهم طريق الاعتبار كثرة إهلاكنا القرون قبلهم بتكذيب الرسل، فيعتبروا ويؤمنوا.

وقوله: {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} [طه: ١٢٨] يعني أهل مكة، كانوا يتجرون ويسيرون في مساكن عاد وثمود، فيها علامات الإهلاك، أفلا يخافون أن يقع بهم مثل ما وقع بالذين رأوا مسأكنهم، وهو قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى {١٢٨} وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} [طه: ١٢٨-١٢٩] في تأخير العذاب عن هؤلاء الكفار إلى يوم القيامة، وهو قوله: وأجل مسمى، {لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه: ١٢٩] لكان العذاب لازما لهم، واللزام مصدر وصف به العذاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>