وأصله من حرف الشيء، وهو طرفه، نحو حرف الجبل والدكان والحائط الذي عليه القائم غير مستقر، فالذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات وطمأنينة، كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضرب اضطرابا ويضعف قيامه، فهو يعرض أن يقع في أحد جانبي الطرف، فقيل للشاك في دينه: إنه يعبد الله على حرف، لأنه ليس على يقين في وعده ووعيده، بخلاف المؤمن لأنه لو عبده على يقين وبصيرة، ولم يكن على حرف يسقط عنه بأدنى شيء يصيبه، وهذا المعنى ظاهر في قوله:} فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ { [الحج: ١١] أي: أصابه رخاء وعافية وخصب، وكثر ماله اطمأن على عبادة الله بذلك الخير،} وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ { [الحج: ١١] اختبار بجدب وقلة ماله،} انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ { [الحج: ١١] رجع عن دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان، والمعنى: انصرف إلى وجهه الذي توجه منه، وهو الكفر، نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا صح جسمه، ونتجت فرسه مهرا حسنا، وكثر ماله، رضي واطمأن، وقال: ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا خيرا، وإن أصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جارية، وأجهضت رماكه، وذهب ماله، أتاه الشيطان، فقال: ما أصبت في هذا الدين إلا شرا فينقلب عن الدين.
وقوله:} خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ { [الحج: ١١] يعني: هذا الشاك خسر دنياه، حيث لم يظفر بما طلب من المال، وخسر آخرته بارتداده عن الدين.
ذلك الذي فعل،} هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ { [الحج: ١١] الضرر الظاهر.
} يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ { [الحج: ١٢] أي: هذا المرتد يعبد سوى الله،} مَا لا يَضُرُّهُ { [الحج: ١٢] إن لم يعبده، ولا ينفعه إن أطاعه، ذلك الذي فعل} هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ { [الحج: ١٢] عن الحق والرشد.
} يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ { [الحج: ١٣] قال السدي: ضره في الآخرة بعبادته إياه أقرب من النفع، وإن كان لا نفع عنده، ولكن العرب تقول: لما لا يكون هذا بعيد، ونفع الصنم بعيد لأنه لا يكون، فلما كان نفعه بعيدا، قيل لضره: إنه أقرب من نفعه، على معنى أنه كائن.