عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَكَأَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْقَطِيعِيِّ
قال الفراء: قد ههنا يجوز أن تكون تأكيدا لفلاح المؤمنين، ويجوز أن تكون تقريبا للماضي من الحال، قد يقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه، ألا ترى أنهم يقولون: قد قامت الصلاة، قبل حال قيامها.
ويكون المعنى في الآية أن الفلاح قد حصل لهم وأنهم عليه في الحال.
قال ابن عباس: قد سعد المصدقون وبقوا في الجنة.
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ٢] ساكتون متواضعون، قال ابن عباس: خشع من خوف الله، فلا يعرف من على يمينه ولا من على يساره.
وقال أبو هريرة: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى، رفع بصره إلى السماء، فنزلت {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ٢] فطأطأ رأسه ".
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: ٣] قال عطاء، عن ابن عباس: عن الشرك بالله.
وهو قول الضحاك، وقال الحسن: عن المعاصي.
قال الزجاج: هو كل باطل ولهو، وهزل ومعصية، وما لا يحمد من القول والفعل.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: ٤] أي: مؤدون، فعبر عن التأدية بالفعل لأنه فعل.
قال ابن عباس: للصدقة الواجبة مؤدون.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] قال الليث: الفرج اسم يجمع سوءات الرجال والنساء، فالقبلات وما حواليهما كله فرج.
والمراد بالفروج ههنا فروج الرجال خاصة، قال الكلبي: يعني يعفون عما لا يحل لهم.
{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: ٦] على ههنا بمعنى من في قول الفراء.
وقال الزجاج: المعنى أنهم يلامون في إطلاق ما حظر عليهم وأمروا بحفظه إلا على أزواجهم.
ودل على المحذوف ذكر اللوم في آخر الآية، قال مجاهد: يحفظ فرجه إلا من امرأته أو من أمته، فإنه لا يلام على ذلك.
{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [المؤمنون: ٧] أي: طلب سوى الأزواج والإماء المملوكة، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] الظالمون المتجاوزون إلى ما لا يحل.
{وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ} [المؤمنون: ٨] وقرأ ابن كثير لأمانتهم واحدة، وذلك أنه مصدر واسم جنس فيقع على الكثير، وإن كان مفردا في اللفظ، والأمانة تختلف نحو الأمانة التي بين العبيد في حقوقهم كالودائع والبضائع، وما تكون اليد فيه يد أمانة، وتكون الأمانة التي بين الله وبين عباده كالصيام والاغتسال والصلاة، ويجب على المؤمن الوفاء بجميع ضروب الأمانات، وقوله: {وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: ٨] قال ابن عباس: إذا عاهد رجلا وفي له.
ومعنى راعون: حافظون.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ} [المؤمنون: ٩] وقرئ صلاتهم ومن أفراد فلأن الصلاة في الأصل مصدر، ومن جمع فلأنه قد صار اسما شرعيا لانضمام ما لم يكن في أصل اللغة إليها، ومعنى الآية: والذين هم يحافظون على الصلوات المكتوبة، فيقيمونها في أوقاتها.