وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {٤} إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {٥} } [النور: ٤-٥] {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] أي: يرمونهن بالزنا، والإحصان المشروط في المقذوفة حتى يجب الحد على القاذف خمسة أوصاف: البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرية، والعفة عن الزنا.
وقوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا} [النور: ٤] أي: على ما رموهن به من الزنا، {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك، {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: ٤] يعني: الذين يرمون بالزنا، {ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] المحدود في القذف لا تقبل شهادته، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] العاصون في مقالتهم.
ثم استثنى، فقال: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [النور: ٥] يذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الاستثناء يعود إلى الفسق فقط، وأما الشهادة فلا تقبل أبدا، وهذا قول شريح، وإبراهيم، وإسحاق، وقتادة، واختيار أهل العراق، وقالوا: قضاء من الله أن لا تقبل شهادته أبدا، وإنما نسخت توبة الفسق وحده.
وقد رأى آخرون أنها نسخت الفسق وإسقاط الشهادة معا، وهو قول الزهري، والقاسم بن محمد، وعطاء، وطاوس، والشعبي، وعكرمة، ومجاهد، وقول أهل الحجاز جميعا، واختيار الشافعي، وقول ابن عباس في رواية الوالبي، قال: فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل.
قال أبو عبيدة: وكلا الفريقين تأول هذه الآية.
فالذي لا يقبلها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله أبدا.
ثم استأنف، فقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {٤} إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٤-٥] فأوقع التوبة على الفسق خاصة دون الشهادة، وأما الآخرون فذهبوا إلى أن الكلام معطوف بعضه على بعض، ثم أوقعوا الاستثناء في التوبة على كل كلام، والذي نختار هذا القول لأن المتكلم بالفاحشة لا يكون أعظم جرما من راكبها، ولا خلاف في العاهر أنه مقبول الشهادة إذا تاب، فالرامي أيسر جرما إذا نزع، وليس القاذف بأشد جرما من الكافر، إذا أسلم وأصلح قبلت شهادته، فالقاذف حقه أيضا إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته، وهذا معنى قول الشافعي: إذا قبلتم توبة الكافر والقاتل عمدا فكيف لا تقبلون شهادة القاذف وهو أقل ذنبا.
وقد قال الشعبي: يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته، وهذا إجماع الصحابة.
٦٥٣ - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَعْقِلِيُّ، نا الرَّبِيعُ، أنا الشَّافِعِيُّ، أنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ لا تَجُوزُ، فَأَشْهَدُ لأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لأَبِي بَكْرَةَ: تَقْبَلُ شَهَادَتَكَ، أَوْ إِنْ تُبْتَ قَبِلْتُ شَهَادَتَكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: أَبَدًا؛ قِيلَ: أَبَدُ كُلِّ إِنْسَانٍ مِقْدَارُ مُدَّتِهِ فِيمَا يَتَّصِلُ بِقَضِيَّتِهِ، تَقُولُ: الْكَافِرُ لا تُقْبَلُ مِنْهُ شَيْئًا أَبَدًا، مَعْنَاهُ: مَا دَامَ كَافِرًا، كَذَلِكَ الْقَاذِفُ لا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا مَا دَامَ قَاذِفًا، فَإِذَا زَالَ عَنْهُ الْكُفْرُ زَالَ أَبَدًا، وَإِذَا زَالَ عَنْهُ الْفِسْقُ زَالَ أَبَدًا، لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ
قوله: {وَأَصْلَحُوا} [النور: ٥] قال ابن عباس: يريد إظهار التوبة.
وقال مقاتل: وأصلحوا العمل.
{فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} [النور: ٥] لقذفهم، {رَحِيمٌ} [النور: ٥] بهم حيث تابوا.
٦٥٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، أنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، نا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، نا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ