للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من جواب المعبودين ما دل على أنهم لم يأمروهم بعبادتهم.

ثم ذكر سبب تركهم الإيمان بالله بقولهم: {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} [الفرقان: ١٨] قال ابن عباس: أطلت لهم العمر، وأفضلت عليهم، ووسعت لهم في الرزق.

{حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} [الفرقان: ١٨] تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن، {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: ١٨] فاسدين هالكين، قد غلب عليهم الشقاء والخذلان، يقال: رجل بائر وقوم بور، وهو الفاسد الذي لا خير فيه.

فيقال للكفار حينئذ: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: ١٩] أن كذبكم المعبودون بقولهم لكم أنهم آلهة شركاء لله، ومن قرأ بالياء كان المعنى: كذبوهم بقولهم {سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا} [الفرقان: ١٨] الآية، وقوله: فما يستطيعون صرفا أي: ما يستطيع المعبود صرف العذاب عنكم، ومن قرأ بالتاء فالمعنى: ما تستطيعون أيها المتخذون الشركاء صرفا {وَلا نَصْرًا} [الفرقان: ١٩] من العذاب لأنفسكم ولا أن تنصروا أنفسكم بمنعها من العذاب، وعلى قراءة العامة: وإلا أن ينصروكم من عذاب الله وبدفعه عنكم، {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ} [الفرقان: ١٩] يشرك بالله، {نُذِقْهُ} [الفرقان: ١٩] في الآخرة، {عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: ١٩] شديدا.

ثم رجع إلى مخاطبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعزيه، فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: ٢٠] {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان: ٢٠] كما تأكل أنت، {وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: ٢٠] قال الزجاج: هذا احتجاج عليهم في قولهم: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ فقيل لهم: كذلك كان من خلا من الرسل، فكيف يكون محمد بدعا منهم.

وقوله: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: ٢٠] بلية أبتلي الشريف بالوضيع والعربي بالمولى، فإذا أراد الشريف أن يسلم ورأى الوضيع قد أسلم قبله، أنف وقال: أسلم بعده فيكون له عليّ السابقة والفضل، فيقيم على كفره، ويمتنع من الإسلام، فذلك افتتان بعضهم ببعض، وهذا قول الكلبي، واخيار الفراء، والزجاج.

وقال مقاتل: هذا في ابتلاء فقراء المؤمنين بالمستهزئين من قريش، كانوا يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا من موالينا ورذالينا، فقال الله لهؤلاء الفقراء: {أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: ٢٠] على الأذى والاستهزاء.

{وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: ٢٠] أن صبرتم فصبروا، فأنزل الله فيهم {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} [المؤمنون: ١١١] ، {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: ٢٠] عمن يجزع وعمن يصبر.

{وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا {٢١} يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا {٢٢} وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا {٢٣} أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا {٢٤} } [الفرقان: ٢١-٢٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>