قال موسى: {رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا} [القصص: ٣٣] يعني: القبطي الذي قتله، {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [القصص: ٣٣] به.
{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنْي لِسَانًا} [القصص: ٣٤] أحسن بيانا، وكان في لسان موسى عقدة، ولذلك قال فرعون: {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: ٥٢] .
{فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} [القصص: ٣٤] عونا، يقال: فلان ردء لفلان إذا كان ينصره ويشد ظهره.
يقال: أردأت فلانا إذا أعنته.
وقوله: يصدقني قرئ بالرفع والجزم، فمن رفع فهو صفة للنكرة وتقديره ردءا مصدقا، ومن جزم كان على جوابا الأمر، أي: إن أرسلته معي صدقني، والتصديق لهارون في قول الجميع، وقال مقاتل: لكي يصدقني فرعون.
{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [القصص: ٣٤] .
قال الله لموسى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: ٣٥] أي: سنعينك ونقويك، وشد العضد كناية عن التقوية، {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} [القصص: ٣٥] حجة تدل على النبوة، قال الزجاج: والسلطان أبين الحجج.
{فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} [القصص: ٣٥] بقتل وسوء ولا أذى، وقوله: بآياتنا موضعه التقديم، لأن المعنى: ونجعل لكما سلطانا بأياتنا، أي: مما نعطيكما من المعجزات، ثم أخبر أن الغلبة لهما ولمن اتبعهما، فقال: {أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: ٣٥] .
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ {٣٦} وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {٣٧} } [القصص: ٣٦-٣٧] {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى} [القصص: ٣٦] أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر افتريته من قبل نفسك لم تبعث به، {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا} [القصص: ٣٦] الذي تدعونا إليه، {فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ {٣٦} وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ} [القصص: ٣٦-٣٧] أي: هو أعلم بالحق منا، ومن الذي جاء بالبيان من عنده، أي: إن الذي جئت بالهدي من عند الله، {وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} [القصص: ٣٧] أي: وهو أعلم بمن تكون له الجنة، {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [القصص: ٣٧] لا يسعد من أشرك بالله.
ثم قال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَأَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ {٣٨} وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ {٣٩} فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ {٤٠} وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ {٤١} وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ {٤٢} } [القصص: ٣٨-٤٢] وقال فرعون منكرا لما أتى به موسى عليه السلام من توحيد الله وعبادته: {يَأَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} [القصص: ٣٨] يقول: أوقد النار على الطين حتى يصير اللبن آجرا.
والمعنى: اعمل لي الآجر، {فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} [القصص: ٣٨] أي: قصرا عاليا مرتفعا، {لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [القصص: ٣٨] أي: أصعد إليه وأشرف عليه، وهذا إيهام من فرعون أن الذي يدعوه إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى المكان والجهة، {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [القصص: ٣٨] في ادعائه إلها غيري، وأنه رسوله.
{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ} [القصص: ٣٩]