مثلها على هيئها وصورتها، والمراد بهذا أن الله تعالى ذكر منته بأن خلق لهم الخشب حتى عملوا مثل سفينة نوح وركبوه للتجارات.
ثم ذكر أنه بفضله يحفظهم ولو شاء أغرقهم فلم يغثهم أحد ولم ينقذهم من الغرق، وهو قوله: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} [يس: ٤٣] ولا مغيث لهم، والصريخ ههنا بمعنى المصرخ {وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ} [يس: ٤٣] يقال: أنقذه واستنقذه إذا خلصه من مكروه.
قال ابن عباس: ولا ينقذهم من عذابي.
{إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [يس: ٤٤] أي: إلا أن نرحمهم ونمتعهم إلى آجالهم، وذلك أن الكافر متعه الله في الدنيا ورزقه فيها، فإذا ركب السفينة سلمه حتى يموت بأجله.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {٤٥} وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ {٤٦} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ {٤٧} } [يس: ٤٥-٤٧] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} [يس: ٤٥] لهؤلاء الكفار: {اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} [يس: ٤٥] من أمر الآخرة فاعملوا لها، وما خلفكم من أمر الدنيا، فأحذروها ولا تغتروا بها وما فيها من زهرتها، لعلكم ترحمون لتكونوا على رجاء الرحمة من الله، وجواب إذا محذوف على تقدير وإذا قيل لهم هذا أعرضوا، يدل على المحذوف.
قوله: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ} [يس: ٤٦] أي: عبرة ودلالة تدل على صدق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ {٤٦} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [يس: ٤٦-٤٧] قال مقاتل: إن المؤمنين قالوا لكفار قريش: أنفقوا على المساكين ما زعمتم من أموالكم أنه لله، وهو ما جعلوه من حروثهم وأنعامهم لله.
قالت الكفار: أنطعم أنرزق، {مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: ٤٧] رزقه، أي: نحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله، وهذا خطأ منهم، لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضها ليبلوا الغني بالفقير فيما فرض له في ماله من الزكاة، والمؤمن لا يعترض على المشيئة، وإنما يوافق الأمر.
وقوله: {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يس: ٤٧] هذا من قول الكفار للمؤمنين، يقولون لهم: إن أنتم في اتباعكم محمدا وترك ديننا إلا في خطأ بين.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {٤٨} مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ {٤٩} فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ {٥٠} } [يس: ٤٨-٥٠] {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} [يس: ٤٨] الذي تعدنا به يا محمد من القيامة، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يس: ٤٨] في ذلك أنت وأصحابك.
قال الله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: ٤٩] قال ابن عباس: يريد النفخة الأولى.
يعني أن القيامة تأتيهم بغتة.
تأخذهم الصيحة، وهم يخصمون أي: يختصمون في البيع والشراء، ويتكلمون في الأسواق والمجالس، أعز ما كانوا متشاغلين في متصرفاتهم، وأجود القراءة فتح الخاء مع تشديد الصاد، لأن الأصل يختصمون، فألقيت حركة الحرف المدغم وهو التاء على الساكن الذي قبله وهو الخاء، ومن قرأ بكسر الخاء حركه بالكسر لالتقاء الساكنين، وقرأ أهل المدينة بالجمع بين ساكنين، قال الزجاج: وهو أفسد الوجوه وأردأها.
وقرأ حمزة: ساكنة الخاء مخففة الصاد، وهو يفعلون من الخصومة، كأنه قال: وهم يتكلمون.
والمعنى: تأخذهم وبعضهم يخصم بعضا، وأراد