الأَرْضِ} [محمد: ٢٢] يعني: تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا، ويقتل بعضكم بعضًا، وهو قوله تعالى:{وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[محمد: ٢٢] وكأن الله تعالى يذكر منته عليهم بالإسلام حين جمعهم به، وأكرمهم بالألفة، بعدما كانوا عليه من القتل، والبغي، وقطيعة الرحم، فيقول: لعلكم إذا كرهتم الإسلام، تريدون أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه.
ثم ذم من يريد هذا، بقوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[محمد: ٢٣] فلا يسمعون الحق، ولا يهتدون لرشد.
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ}[محمد: ٢٤] فيعرفوا ما أعد الله للمتمسك بالإسلام، {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد: ٢٤] قال مقاتل: يعني: الطبع على القلب.
والأقفال استعارة لانغلاق القلب عن معرفة الإسلام والقرآن، ومعنى تنكير القلوب: إرادة قلوب هؤلاء، ومن كان مثلهم من غيرهم، وفي إضافة الأقفال إلى القلوب تنبيه على أن المراد بها ما هو للقلوب بمنزلة الأقفال للأبواب، إذ ليست للقلوب أقفال حقيقية، ومعنى الاستفهام في قوله: أم: الإخبار أنها كذلك، لأن معنى أم ههنا: بل.
{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ}[محمد: ٢٥] رجعوا كفارا، {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى}[محمد: ٢٥] ظهر لهم أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنعته، وصفته في كتابهم، {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ}[محمد: ٢٥] زين لهم القبيح، وأملى لهم الله أمهلهم موسعًا عليهم، ليتمادوا في طغيانهم، ولم يعجل عليهم بالعقوبة، كما قال:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[الأعراف: ١٨٣] ويحسن الوقف على قوله: {سَوَّلَ لَهُمْ}[محمد: ٢٥] لأنه فعل الشيطان، والإملاء فعل الله تعالى.
وعلى قول الحسن لا يحسن الوقف، لأنه يقول في تفسير وأملى لهم: مد لهم الشيطان في الأمل.