للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: ٢٤] وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ مِنَّتَهُ بِحَجْزِهِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ حَتَّى لَمْ يَقْتَتِلا، وَحَتَّى اتَّفَقَ بَيْنَهُمُ الصُّلْحُ الَّذِي كَانَ أَعْظَمَ مِنَ الْفَتْحِ

ثم ذكر سبب منعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك العام دخول مكة، فقال: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح: ٢٥] يعني: كفار مكة، {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الفتح: ٢٥] أن تطوفوا به، وتحلوا من عمرتكم، والهدي وصدوا الهدي، وهي: البُدْن التي ساقها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه، وكانت سبعين بدنة، معكوفًا محبوسًا، يقال: عكفته عن كذا عكفًا، أي: حبسته فعكف عكوفًا، كما يقال: رجعته رجعًا، فرجع رجوعًا، {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥] منحره، وهو حيث تحل نحره يعني: الحرم، {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: ٢٥] يعني: المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا بمكة بين الكفار، لم تعلموهم لم تعرفوهم، أن تطئوهم بالقتل وتوقعوا بهم، قال الزجاج: المعنى: لولا أن تطئوا رجالًا مؤمنين، ونساء مؤمنات.

{فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ} [الفتح: ٢٥] إثم، وجناية بغير علم، وذلك: أنهم لو كبسوا مكة وفيها قوم مؤمنون، لم يتميزوا من الكفار، لم يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين فتلزمهم الكفارة، وتلحقهم سبة بأنهم قتلوا من هو على دينهم، فهذه المعرة التي صان الله المؤمنين عنها، وقوله: بغير علم موضعه التقديم، لأن التقدير: لولا أن تطئوهم بغير علم، {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [الفتح: ٢٥] اللام متعلقة بمحذوف دل عليه معنى الكلام على تقدير: حال بينكم وبينهم، ليدخل الله في رحمته من يشاء، يعني: من أسلم من الكفار بعد الصلح، لو تزيلوا لو تميزوا، يعني: المؤمنين من الكفار، {لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: ٢٥] يعني: بالقتل، والسبي بأيديكم.

{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ} [الفتح: ٢٦] وهي الأنفة والإنكار، يقال: فلان ذو حمية منكرة، إذا كان ذا غضب وأنفة، قال المقاتلان: قال أهل مكة: قد قتلوا أبناءنا وإخواننا، ويدخلون علينا في منازلنا، فتحدث العرب أنهم قد دخلوا علينا رغم أنفنا! واللات والعزى لا يدخلونها عليها.

فهذه حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم، {فَأَنْزَلَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>