{وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}[الحجرات: ٢] قال الزجاج: أمرهم الله تعالى بتبجيل نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يغضوا أصواتهم، وأن يخاطبوه بالسكينة والوقار.
{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}[الحجرات: ٢] أي: لئلا تحبط، أو مخافة أن تحبط أعمالكم، {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[الحجرات: ٢] لا تعلمون به، وهذا يدل على أنه يجب أن يعظم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاية التعظيم، فقد يأتي الإنسان الشيء اليسير في بابه، فيكون ذلك محبطًا لعمله، مهلكًا إياه وهو لا يعلم ذلك.
{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ}[الحجرات: ٣] قال عطاء، عن ابن عباس: لما نزل قوله: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ}[الحجرات: ٢] تألى أبو بكر رضي الله عنه، أن لا يكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا كأخي السرار، فأنزل الله تعالى في أبي بكر هذه الآية.
وقال ابن الزبير: ما حدث عمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قوله: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ}[الحجرات: ٢] فيسمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلامه حتى يستفهمه مما يخفض صوته، فأنزل الله تعالى فيه:{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ}[الحجرات: ٣] والغض: النقص من كل شيء.
ذكرنا عند قوله:{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}[لقمان: ١٩] ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}[الحجرات: ٣] قال الفراء: أخلص قلوبهم للتقوى، كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده من رديئه ويسقط خبثه.
وعلى هذا تقدير الكلام:{امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الحجرات: ٣] فأخلصها للتقوى، فحذف الإخلاص لدلالة الامتحان عليه، ولهذا قال مقاتل، ومجاهد، وقتادة: أخلص الله قلوبهم.
قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ}[الحجرات: ٤] هم الجفاة من