المجيد الكريم على الله، الكثير الخير.
{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ق: ٢] مفسر في { [ص،] فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [سورة ق: ٢] معجب، عجبوا من كون محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولًا إليهم، فأنكروا رسالته، وأنكروا البعث بعد الموت، وهو قوله: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [ق: ٣] أي: أنبعث إذا متنا؟ ذلك رجع رد إلى الحياة، بعيد غير كائن، أي: يبعد عندنا أن نبعث بعد الموت.
قال الله عز وجل: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} [ق: ٤] أي: ما تأكل من لحومهم، ودمائهم، وأشعارهم، يعني: أن ذلك لم يعزب عن علمه، وأخبر أن عنده بذلك كتبًا، فقال: {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق: ٤] حافظ لعدتهم وأسمائهم، وهو اللوح المحفوظ، وقد أثبت فيه ما يكون.
ثم أخبر بتكذيبهم، فقال: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} [ق: ٥] بالقرآن، {لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: ٥] مختلط ملتبس، قال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم.
وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم، فقال: هو أنهم كانوا يقولون للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة: شاعر، ومرة: ساحر، ومرة: معلم.
وللقرآن: إنه سحر، ومرة يقولون: إنه رجز , ومرة يقولون: مفترى.
فكان أمرهم ملتبسًا، مختلطًا عليهم.
ثم دلهم على قدرته على البعث بعظيم خلقه، فقال: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ {٦} وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {٧} تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ {٨} وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ {٩} وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ {١٠} رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ {١١} } [ق: ٦-١١] .
{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [ق: ٦] بغير عمد، وزيناها بالكواكب، {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق: ٦] فتوق، وشقوق، وصدوع.
والأرض مددناها بسطناها، {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [ق: ٧] جبالًا ثوابت، {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: ٧] من كل لون حسن.
تبصرة وذكرى قال الزجاج: أي: فعلنا ذلك لنبصر، ونذكر به.
فهي تذكير لكل عبد منيب يرجع إلى الله، ويفكر في قدرته.
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: ٩] كثير الخير، وفيه حياة كل شيء، وهو المطر، {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق: ٩] يعني: ما يقتات به، ويحصد من الحبوب، وأراد نبت الحب الحصيد.