أي: انفصل منه، قال ابن عباس، في رواية عطاء، والكلبي: لم يكونوا منتهين عن كفرهم بالله، وعبادتهم غير الله.
حتى تأتيهم أي: حتى أتتهم، لفظه مستقبل ومعناه المضي، كقوله عز وجل:{مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ}[البقرة: ١٠٢] أي: ما تلت، وقوله: البينة قال ابن عباس: يريد محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهو قول مقاتل.
يعني محمدًا، فبين لهم ضلاتهم وشركهم، ومعنى الآية: إخبار الله تعالى عن الكفار، أنهم لم ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقرآن، فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم، ودعاهم إلى الإيمان، وهذا بيان عن النعمة، والإنقاذ به من الجهل والضلالة، والآية فيمن آمن من الفريقين، وهذه الآية من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرًا، وقد تخبط فيها الكبار من العلماء، وسلكوا في تفسيرها طرقًا لا تفضي بهم إلى الصواب، والوجه ما أخبرتك به، فاحمد الله إذ أتاك بيانها من غير لبس ولا إشكال، ويدل على أن المراد بالبينة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه فسرها، وأبدل منها، فقال:{رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا}[البينة: ٢] يعني: ما تضمنته الصحف من المكتوب فيها، وهو القرآن، ويدل على ذلك، أنه كان يتلو عن ظهر قلبه، لا عن كتاب، مطهرة من الباطل، والكذب، والزور.
فيها كتب يعني: الآيات، والأحكام المكتوبة فيها، قيمة عادلة، مستقيمة، غير ذات عوج، تبين الحق من الباطل.
ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب، بقوله:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}[البينة: ٤] قال المفسرون: لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بعثه الله، فلما بعث، تفرقوا في أمره واختلفوا، وآمن به بعضهم، وكفر آخرون.
ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم، فقال: {وَمَا أُمِرُوا