للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقومهم في نصرة الدين، {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} [الأنفال: ٧٢] يعني: الأنصار أسكنوا المهاجرين ديارهم ونصروهم على أعدائهم، {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٢] قال المفسرون: يعني في الميراث كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر، وهو قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢] ، وقرئ من ولايتهم بكسر الواو وفتحه، وهما لغتان من الولي والوالي كالوكالة والوكالة وبابهما، والفتح أجود لأنه أكثر في الدين، والكسر في السلطان، قال ابن الأنباري: كان الله تعالى تعبدهم في أول الهجرة بأن لا يرث المسلمين المهاجرين إخوانُهم الذين لم يهاجروا، ولا يرثون هم أخوانهم، ثم نسخ ذلك بقوله: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] .

وقوله: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الأنفال: ٧٢] أي: وإن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فلا تخذلوهم، وانصروهم، إلا أن يستنصروكم {عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: ٧٢] عهد فلا تغدروا ولا تنقضوا العهد.

قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] حض الله المؤمنين على التواصل فجعل المهاجرين والأنصار أهل ولايته في الدين دون من سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض، ثم قال: إلا تفعلوه قال ابن عباس: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به.

وقال ابن جريج: يقول: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين.

{تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٧٣] يعني: الشرك، وفساد كبير وذلك أنه إذا لم يتول المؤمن المؤمن توليا يدعو غيره ممن لا يكون مؤمنا إلى مثل ذلك، ولم يتبرأ من الكافر بما يصرفه عن كفره، أدى ذلك إلى الضلال والفساد في الدين، فإذا هجر المسلم أقاربه الكفار، ونصر أقاربه المسلمين كان ذلك أدعى إلى الإسلام، وترك الكفر لأقاربه الكفار.

وقوله: والذين آمنوا، إلى قوله: {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٧٤] أي: هم الذين حققوا إيمانهم بما يقتضيه من الهجرة والنصرة خلاف من أقام بدار الشرك، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [الأنفال: ٧٥] قال ابن عباس: يريد: الذين هاجروا بعد الحديبية، وهي الهجرة الثانية.

وقوله: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] قال جماعة المفسرين: هذا نسخ للميراث بالهجرة، ورد للمواريث إلى أولي الأرحام، وذلك أنهم كانوا لا يتوارثون بالرحم، إنما يتوارثون بالهجرة، كان الأخوان إذا أسلما فهاجر أحدهما فمات لم يرثه الذي لم يهاجر حتى فتحت مكة فرد الله الميراث إلى أولي الأرحام.

روى عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخا بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] ، فتوارثوا بالنسب.

وقوله: {فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] قال الزجاج: في حكم الله.

ويجوز أن يعني بالكتاب ههنا القرآن، أي: هم في فرض كتاب الله أولى بأرحامهم، {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ} [الأنفال: ٧٥] مما خلق وفرض وحدّ، عليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>