للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة: ٣] لا تعجزونه عن تعذيبكم ولا تفوتون بأنفسكم من أن يحل بكم عذابه في الدنيا، ثم أوعدهم بعذاب الآخرة فقال: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: ٣] .

قوله: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٤] قال المفسرون: استثنى الله طائفة وهم بنو ضمرة، حي من كنانة، أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإتمام عهودهم، وكان قد بقى لهم من مدة عهدهم تسعة أشهر، وقوله: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ} [التوبة: ٤] أي: من شروط العهد، {شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا} [التوبة: ٤] لم يعاونوا عليكم عدوا، {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: ٤] أي: إلى انقضاء مدتهم، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤] يحب من اتقاه بطاعته واجتناب معاصيه.

قوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: ٥] أي: مضى وذهب، وذهابها بانسلاخ المحرم، {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] أي: في الحل والحرم، وخذوهم بالأسر، واحصروهم قال ابن عباس: يريد: إن تحصنوا فاحصروهم، والحصر ههنا المنع عن الخروج من محيط، {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: ٥] أي: على كل طريق يأخذون فيه، والمرصد: الموضع الذي يرقب فيه العدو، فإن تابوا من الشرك، وأقاموا الصلاة المفروضة، وآتوا الزكاة من الأموال العين والمواشي والثمار، فخلوا سبيلهم حتى يذهبوا حيث شاءوا، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} [التوبة: ٥] لمن تاب وآمن، رحيم به، {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٦] الذين أمرتك بقتلهم استجارك طلب منك الأمان والجوار، فأجره من القتل، {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] القرآن وما أمر به ونهى عنه، {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦] الموضع الذي يأمن فيه، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: ٦] أي: الأمر ذلك، وهو أن يعرفوا ويجاروا لجهلهم، فربما يعرفون فيسلمون، ثم قال على وجه الإنكار: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ {٧} كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ {٨} اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {٩} لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ {١٠} فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {١١} وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ {١٢} } [التوبة: ٧-١٢] {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ} [التوبة: ٧] أي: لا يكون لهم عهد وهم يغدرون وينقضون، {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: ٧] وهم بنو ضمرة الذين ذكرنا، {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ} [التوبة: ٧] في وفاء العهد فاستقيموا لهم على الوفاء بإتمام أجلهم، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٧] من اتقى الله في أداء فرائضه والوفاء بعهده لمن عاهده.

قوله: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} [التوبة: ٨] أي: كيف يكون للمشركين عهد وحالهم أنهم إن يظهروا عليكم: يقدروا عليكم، ويظفروا بكم، {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ} [التوبة: ٨] لا يحفظوا فيكم، إلًّا قرابة، ولا ذمة عهدا، يرضونكم بأفواههم يقولون كلاما حلوا، وتأبى قلوبهم الوفاء بما يقولون، وأكثرهم فاسقون كاذبون ناقضون للعهد.

{اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [التوبة: ٩] استبدلوا بالقرآن متاع الدنيا، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} [التوبة: ٩] فأعرضوا عن طاعته، {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة: ٩] من اشترائهم الكفر بالإيمان، ثم ذمهم بترك المراقبة للعهد والذمة للمؤمنين بقوله: {

<<  <  ج: ص:  >  >>