الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {٣٧} } [التوبة: ٣٦-٣٧] قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا}[التوبة: ٣٦] الآية: قال الزجاج: أعلم الله تعالى أن عدة شهور المسلمين التي تعبدوا بأن يجعلوها لسنتهم اثنى عشر شهرا على منازل القمر واستهلال الأهلة.
وقوله:{فِي كِتَابِ اللَّهِ}[التوبة: ٣٦] يعني: اللوح المحفوظ، قال ابن عباس: في الإمام الذي عند الله كتبه يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.
ومعنى الحرم: أنه يعظم انتهاك المحارم فيها بأشد مما يعظم في غيرها، وقوله:{ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[التوبة: ٣٦] ومعنى الدين ههنا الحساب، ومنه يقال: الكيس من دان نفسه.
أي: حاسبها، والقيم معناه: المستقيم.
قال المفسرون: ذلك الحساب المستقيم الصحيح والعدد المستوي، وقوله:{فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}[التوبة: ٣٦] قال ابن عباس: يريد: تحفظوا على أنفسكم فيها واجتنبوا الخطايا، فإن الحسنات فيها تضاعف والسيئات فيها تضاعف.
وقال قتادة: الظلم في الأشهر الحرم أعظم وزرا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما.
وقوله:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}[التوبة: ٣٦] قال ابن عباس: جميعا، يريد قاتلوهم كلهم ولا تحابوا بعضهم بترك القتال كما أنهم يستحلون قتال جميعكم، وهو قوله:{كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}[التوبة: ٣٦] قال الزجاج: كافة نصب على الحال، وهو مصدر على فاعله كما قالوا: العافية، والعاقبة.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[التوبة: ٣٦] قال: تأويله: أنه ضامن لهم النصر، قوله:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}[التوبة: ٣٧] النسيء في الشهور تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة، وهو مصدر بمعنى الإنساء كالنذير بمعنى الإنذار، والنكير بمعنى الإنكار، والإنساء: التأخير وكانت العرب تحرم الشهور الأربعة، وذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم وإسماعيل وهم كانوا أصحاب حروب وغارات، وربما كان يشق عليهم أن ينكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه، ويستحلون المحرم إلى صفر فيحرمونه، ويستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ثم يردون التحريم إلى المحرم، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم، فينادي