اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التوبة: ٣٨] إذا قيل لكم اخرجوا إلى قتال العدو تثاقلتم إلى الإقامة بأرضكم وأحببتم المقام بها، يقال: نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا.
إذا خرجوا إلى مكان لأمر أوجب الخروج، وقوله:{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ}[التوبة: ٣٨] قال ابن عباس: يريد قدمتم الدنيا على الجنة.
{فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[التوبة: ٣٨] قال: يريد الدنيا كلها، {فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ}[التوبة: ٣٨] .
ثم توعدهم على ترك الخروج فقال: إلا تنفروا قال مقاتل: إلا تخرجوا مع نبيكم إلى الجهاد.
{يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[التوبة: ٣٩] قال الزجاج: هذا وعيد شديد في التخلف عن الجهاد.
قال المفسرون: هذه الآية خاصة فيمن استنفره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم ينفر، وقوله:{وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ}[التوبة: ٣٩] هذا استعتاب من الله تعالى لأولئك القوم، ووعيد لهم أنهم إن تركوا الغزو من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى الله بقوم آخرين ينصر بهم رسوله، وهو قوله:{وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا}[التوبة: ٣٩] لأنه لا يخذله إن تثاقلتم، ثم أعلمهم أنهم إن تركوا نصره فلن يضره ذلك شيئا كما لم يضره قلة ناصريه حين كان بمكة، وهم به الكفار فتولى الله نصره وهو قوله:{إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}[التوبة: ٤٠] أي: أعانه الله على أعدائه، {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا}[التوبة: ٤٠] حين قصدوا إهلاكه كما ذكرنا في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الأنفال: ٣٠] ، وقوله: ثاني اثنين قال الزجاج: هو نصب على الحال، المعنى: فقد نصره الله أحد اثنين، أي: نصره منفردا إلا من أبي بكر.
وهذا معنى قول الشعبي: عاتب الله عز وجل أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير أبي بكر.